هل ينجح العقلاء بإحياء الحوار لإنقاذ لبنان من مجهول الفوضى؟

لا يمكن لأحد خلف اي حجة أن ينكر بأن من حق اللبنانيين أن يعبروا عن سخطهم وغضبهم من ما وصلت إليه أزمة النفايات المتفاقمة، كما أنه لا يمكن لأحد أن يدير ظهره عن أحقية المطالب التي ينادي بها الحراك الشعبي في وسط بيروت لناحية مكافحة الفساد وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأمين المياه والكهرباء وفرص العمل للشعب اللبناني، إلا أن ذلك لا ينفي أبدأ بأن هناك مخاوف جدية من تحول الإحتجاجات الحالية في أي وقت إلى فوضى عارمة ونزاعات ومواجهات عنفية دموية وتخريبية تتخذ الطابع الطائفي والمذهبي في الشارع المنقسم انقساما عاموديا طائفيا ومذهبيا حادا والمحتقن إلى أقصى درجات الإحتقان والتوتر.

لذلك أن ما يمر به لبنان والمحيط والجوار من مرحلة دقيقة وحساسة تستدعي قبل أي شيء آخر إعلاء صوت العقل والحكمة والوعي الذي يضع حماية أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك فوق كل الإعتبارات والحساسيات، خصوصا ان تعميم الفوضى والإنزلاق نحو مجهول الفتنة لن يحقق مطالب ولن يحل أي أزمة بل على العكس من ذلك سوف يفاقم الأزمات ويزيد المشاكل على اطلاقها التي ستساهم بدورها في زيادة انكشاف الساحة اللبنانية سياسيا وأمنيا أمام هول المخاطر التي تهدد وجود لبنان ككيان سيد حر ومستقل.

وفي هذا الإطار، أكدت أوساط سياسية بارزة لـ الأنباء بأن جميع القوى السياسية باتت مدركة بأن الأوضاع العامة في البلاد وصلت إلى حال يرثى لها وبأن بقاء الحكومة واستمرارها يبقى حاجة ملحة للجميع لإيجاد الحلول للأزمات الحالية المتفاقمة والتي يأتي في مقدمتها أزمة النفايات المكدسة في الشوارع بوضع ينذر بكارثة بيئية وصحية فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه.

مضيفة بأن ما تشهده المنطقة من كباش اقليمي حاد على أكثر من ساحة لا سيما في اليمن وسوريا والعراق في مرحلة ما بعد الاتفاق الاميركي ـ الايراني الذي لم تظهر ملامحه حتى الآن لا تحتمل أي مغامرة في اسقاط النظام السياسي، كما لا تحتمل رفاهية المطالبة باسقاط المجلس النيابي أو الحكومة في الشارع من خلال الحراك السياسي والحزبي والشعبي العنيف خصوصا أن واقع لبنان بتركيبته السياسية والإجتماعية وتجاربه التاريخية تؤكد بأن استخدام الشارع والعنف تحت عنوان التغيير والإصلاح لا تقود سوى إلى الفوضى والسقوط في حرب أهلية جديدة على نسق الحرب اللبنانية في العام 1975 التي نتج عنها اتفاق الطائف أو وفق نموذج حرب 7 آيار في العام 2008 الذي أنتج اتفاق الدوحة.

مشددة بأن الحل المتاح للخروج من الأزمة الحالية أو التخفيف من عواقبها الكارثية على أمن واستقرار البلاد يبقى للحوار الذي يسعى بعض العقلاء من القوى السياسية بإعادة احيائه بين جميع المكونات السياسية من دون أي استثناء تحت عنوان الحرص على الاستقرار وتجنيب البلاد كأس اسقاط الحكومة السلامية والذهاب بالأوضاع الداخلية نحو الفوضى العارمة التي لن تنتج نظام سياسي جديد في لبنان كما يتصور البعض بل ستطيح بما تبقى من استقرار سياسي وأمني في البلاد، والذي سيليه ويعقبه مزيدا من الإهتراء الإجتماعي والمعيشي والإقتصادي الذي سيصيب بتداعياته الكارثية جميع المكونات السياسية والاجتماعية بمختلف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والمناطقية.

في غضون ذلك، لم يحل الحل الموقت الذي اقره مجلس الوزراء لملف النفايات بالافراج عن اموال الصندوق البلدي المستقل دون مضي مجموعات “الحراك المدني” في تظاهراتها وسط تضارب صارخ في العناوين والمطالب بحيث باتت تنطبق عليهم مقولة “كل يغني على ليلاه”.

وعشية التظاهرة الكبرى مساء السبت في ساحة الشهداء التي قد ينضم اليها التيار الوطني الحر وحزب الله اذا لم تنضج تسويات الحلول الجاري العمل عليها في مطبخ عين التينة السياسي، صوب حزب الخضر بوصلة احتجاجاته في اتجاه المطالبة بانتخاب رئيس جمهورية كمدخل لكل الحلول، وفق ما اكدت رئيسة الحزب ندى . اما حملة “طلعت ريحتكم” فحدد الناشط فيها طارق الملاح لـ”المركزية” الهدف الاول بـ “اجراء انتخابات نيابية لان المجلس النيابي الحالي غير شرعي والحكومة غير شرعية، ومن ثم انتخاب رئيس جمهورية”. ووسط ترقب لمآل الاوضاع ميدانيا، اكدت مصادر مطلعة ان حركة اتصالات مكثفة تجري بين المعنيين لضبط اطار التظاهرات ومنع حرفها عن هدفها من قبل الجماعات المندسة، لتعكير الامن المضبوط دوليا، ولم تستبعد ان يكون ما يجري في ساحتي الشهداء ورياض الصلح عنصر ضغط يمر عبرهما الاستحقاق الرئاسي الذي في رأي المصادر لم يعد بعيدا وقد لا يتجاوز شهر ايلول المقبل.

حكوميا، اذا كانت التسوية السياسية للجلسة الحكومية التي نسج خيوطها رئيس مجلس النواب نبيه بري بدت في العلن، اصطدمت بجدار مقاطعة وزراء التيار الوطني الحر والطاشناق والمردة وحزب الله جلسة مجلس الوزراء اليوم، فان المضمون كشف بوضوح ان “المقاطعة” بحد ذاتها قد تكون البند الاول في جدول التسوية في ضوء ما انتجته الجلسة من اقرار بنود ملحة كانت الخلافات والمناوشات السياسية التي حكمت الجلسات الاخيرة منذ 4 حزيران الماضي ، حالت دون اقرارها، بحيث تحول “الغياب الممنهج” ،على اهميته وابعاده، الى ايجابية صبت في خانة الصالح العام اولا، بعدما تمكن المجلس من اقرار فتح اعتمادات لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام وسندات اليوروبوند وايكال مهمة تكليف محامٍ في قضية “إمبريال جت” الى وزيري النقل والعدل، تجنبا لتداعياتها المالية الخطيرة على خزينة الدولة، اضافة الى اعطاء الحوافز للبلديات الراغبة بمعالجة نفاياتها والافراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل بما فيها عائدات الهاتف الخلوي.

وفي ما يبقى السؤال مطروحا حول البند الثاني من التسوية وما اذا كانت المقاطعة ستنسحب على سائر الجلسات، بعدما افسحت المجال امام تمرير “الضروري والملح ” ام انها ستتوقف عند عتبة سحب المراسيم السبعين لاعادة النظر بها وعدم سلوكها طريق الاقرار في الجريدة الرسمية اليوم، بدا لافتا اتصال الرئيس بري برئيس الحكومة تمام سلام متمنيا عليه التريث في الدعوة لعقد جلسات مجلس الوزراء افساحا في المجال للمشاورات وصولا الى حلول تؤمن حضور كل الاطراف.

_________________

(*) الافتتاحية – هشام يحيى