تأثير اليورانيوم المنضّب بعد ربع قرن الحرب الأميركية على العراق

محمود الأحمدية

البصرة العراقية تعادل ثلاثة أضعاف الاصابات بنفس السرطانات في المدن العراقية الأخرى. وبالبعد العلميّ والاستقرائي كانت مدينة البصرة الهدف الأكثر تعرضاً في كل أنحاء العراق للقذائف والقنابل الأميركية والبريطانية والتي تحمل مادة اليورانيوم المنضّب مما يجعلنا نتأكد بأن مفاعيل اليورانيوم المنضّب على البشر والبيئة لا تظهر بسرعة ولكنها مع مرور السنين تظهر تأثيراتها الخطيرة على البيئة والبشر مما يجعلنا نعود وللذكرى فقط إلى أيام سوداء تعرض فيها العراق إلى تلك الهجمة الأميركية الظالمة.

بعد ربع قرن من الزمن فجر يوم 1991/1/17، الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، بدأ الهجوم الأميركي البريطاني على العراق وكانت قوة النيران أسطورية، وكان الاستعمال الخطير وللمرة الاولى في تاريخ الحروب لاسلحة جديدة متطورة هي قذائف اليورانيوم المنضب المشعّة، وتأثيرها المرعب يطاول البشر والشجر والتربة.

واليورانيوم المنضّب هو عبارة عن نفايات نوويّة مشعّة تتولد من عملية تخصيب اليورانيوم (يو238) المستخدم كوقود للمفاعلات النووية وقدرته الاختراقية والحرارة العالية التي تواكبه جعلتا إمكان إستعماله في صناعة القذائف الخارقة للدروع مميزة في عالم الحرب.

وكانت فرصة للولايات المتحدة أن تتخلص من النفايات الناتجة عن عملية تخصيب اليورانيوم لاستعماله كوقود للمفاعلات النووية وذلك عبر تصنيعه وللمرة الأولى عبر شركة” هاني ويل” عام 1977.

اليورانيوم المنضّب

وبعد إنقضاء الحرب الأولى على العراق، أفادت إعترافات أميركية وبريطانية أدلى بها رئيس معهد الأمن القومي في واشنطن وليم ام. أريكسون ووزير الدفاع البريطاني مالكوم ريفكاند، أن ثمة كمية تصل إلى 300 طن من اليورانيوم المخصّب قد ألقيت على العراق، أمّا جمعية “السلام الأخضر” الاميركية و”مؤسسة لاركا” الهولندية، فقدرتا الكمية الحقيقية بـ 800 طن تقريبا”. وإثر نهاية الحرب الأولى على العراق ومضي قرابة سنة، بدأت الآثار المدمرة والمرعبة تظهر على الشعب العراقي. خمسون ألف طفل عراقي ماتوا خلال عشرة أشهر ويشهد على ذلك تقرير وضعه ثلاثة إختصاصين أميركيين “بكدوسكي، لوبيز، وماكجهي” خلال شهر أيار 1993.

وكانت الولادات لأجنّة مشوّهة، والأمراض الغامضة والحالات السرطانية والشرود الذهني، وفقدان الذاكرة، ومرض الماء الأبيض في العين، وفقدان البصر المبكر عند الاطفال، وعجز الكليتين، وتأخر النمو عند الاطفال، والمناظر التي تقشعر لها الأبدان ويرتجف فيها الضمير لدى رؤية أطفال بأطراف متعددة، وبثلاثة أياد وستة أصابع، إضافة إلى التشوهات في كل الاتجاهات، مما خلق أجواء مرعبة حتى لدى الاطباء المعالجين وفي المستشفيات التي إستقبلت هذه الحالات والتي لم تشهد لها كل حروب التاريخ مثيلا.

ولم ترحم هذه الآثار الجنود الأميركيين والبريطانيين، فكانت أعراض مماثلة لما أصاب الشعب العراقي. وقد أكّد علماء بريطانيون أن مادّة اليورانيوم المنضّب مسؤولة عن إصابة بعض الجنود بأمراض الكلى، بالإضافة إلى آثار طويلة الأمد على البيئة الملوثة. وقد أشار التقرير الذي قدمه باحثان في الجمعية الملكية البريطانية (خلال عام 2002) إلى وجود عواقب بيئية لهذه المادّة، بحيث أنّ نحو 250 طن من اليورانيوم المنضّب ما زالت مطمورة” في التربة، وهي تنتقل إلى المياه والمزروعات والحيوانات، مما يدمّر كلّ الخصائص الطبيعية للتربة.

ونتيجة قصف المعامل أثناء حرب العراق كمعمل البتروكيميائيات ومحطات الكهرباء وشبكات المجاري ظهرت غيمة سامّة ملوثة أثّرت على الحيوانات والنباتات والمياه وكوّنت الأمطار السوداء، مما ساعد في نشر التلوث والسموم. كذلك من خلال تحرير كميات من الكازولين والكبريت والكاربون وغيرها، تفاعلت الأكاسيد في الجو مع بخار الماء وكانت الأمطار الحمضية مما أثّر بطريقة مرعبة على البيئة والسكان، وانتشر التلوث الذي طاول المياه السطحية والجوفية والهواء والنباتات.

وهنا أودّ بإختصار شديد أن ألقي الضوء على الحرب الأميركية البريطانية الأخيرة على العراق، فالقنابل كانت أكبر وزناً وأشد خطورة”، والاساليب أكثر رعبا وكميات اليورانيوم المنضّب المستعمل كانت أشدّ خطورة” وتعقيداً وأن غدا لناظره قريب لكي نرى الآثار البيئية المدمرة على أرض العراق والجوار من جراء إستعمال الأسلحة المرتكزة على اليورانيوم المنضب…

يكفي للدلالة القول أنّ ستين ألف جندي أميركي وثمانية آلاف جندي بريطاني أصبحوا معاقين من جراء إصابتهم باليورانيوم المنضّب وذلك إستناداً إلى كلام موثّق أكّده وتحمل مسؤوليته الجنرال الأميركي دا غروكي الذي كان مسؤولاً عن تنظيف الخليج العربي من آثار اليورانيوم المنضب من قبل وزارة الدفاع الأميركية وذلك بعد الحرب الأولى على العراق…

وأجدها فرصة لاطلاق الدعوة إلى كل البيئيين في لبنان والمحيط العربي والعالم أجمع كي يرفعوا الصوت عالياً أمام الأميركي المتعجرف الذي يعرف جيداً ان المواثيق الدوليّة كافة حرّمت إستعمال اليورانيوم المنضّب، من إتفاق لاهاي 1899 وإتفاق جنيف 1949 ومبادئ ميثاق نورمبوزع 1945 وآخرها المحكمة الخاصة بالجرائم المرتكبة في يوغوسلافيا والتي تقول: “أن قواعد القانون الدولي والانساني تحرّم إستخدام الأسلحة التي تسبب أضراراً شديدة واسعة الانتشار وبعيدة المدى للبيئة.”

ومادة اليورانيوم المنضّب والتي استعملتها الولايات المتحدة الأميركية في الحروب على أفغانستان وكوسوفو في البلقان والعراق هي وبكل المقاييس أسلحة تتجاوز المواصفات التي طرحتها المحكمة الخاصة في يوغسلافيا مما يجعلنا نتساءل وبطريقة أصبحت مملة وغير واقعية أين هو دور الامم المتحدة وأمينها العام في الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة على سطح هذا الكوكب؟ وهل سيبقى منبر الأمم المتحدة قاعدة أميركية تطبق بشكل يوميّ سياسة التمايز والاستنسابية ومبدأ الصيف والشتاء على السقف الواحد؟

تأملنا كثيراً بالرئيس باراك أوباما ولكن الحقيقة المرّة أثبتت وتثبت المبدأ القائل: “فتش عن الصهيونية”. كل مبادئ أكثرية رؤساء الولايات المتحدة ماتت على ضفاف مصالحها عبر هذا العالم.

—————————–

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!