“أنا ومن بعدي الطوفان”!
رامي الريس
24 أغسطس 2015
لا يمكن لأي عاقل سواءً أكان من داخل الشريحة المسماة “الطبقة السياسية اللبنانية” أم من خارجها، أن يتنكر لأحقية المطالب الشعبية في معالجة أزمة النفايات المتراكمة والكهرباء المقطوعة وسائر الملفات المعيشية الأخرى التي تبدو المطالبة بها قي القرن الحادي والعشرين مسألة معيبة ومخزية!
كما أنه لا يمكن أيضاً لأي عاقل أن يقبل إطلاق الرصاص الحي في وجه المتظاهرين أثناء تعبيرهم عن مطالبهم ولا يمكن له أن يرضى كذلك أن يتم التعرض للقوى الأمنية إستفزازاً وضرباً بالحجارة وصولاً الى حالات الشغب والتكسير المنظم لوسط العاصمة وللممتلكات العامة والخاصة.
بين حدّي حماية حق التظاهر المكرس في الدستور اللبناني وتلافي الإستغلال السياسي للتحرك بهدف حرف مساره وتحويل أهدافه، لا تبدو المسألة سهلة وأوتوماتيكية وسلسلة. من هنا، فإن “تكبير” المطالب وملامستها حدود إسقاط النظام السياسي برمته، يشكل مساحة مفيدة جداً لكل المندسين والنفعيين الذين يريدون “ركوب” الموجة الشعبية ومصادرة التحرك لمصلحتهم.
قضية النفايات محقة، وكذلك الكهرباء والمياه والسدود والإنترنت ومكافحة الفساد والإصلاح الإداري وفرص العمل والضمان الإجتماعي والشيخوخة والرواتب والأجور ولجم نمو الدين العام وسوى ذلك من الملفات والقضايا التي لا يجوز أن تبقى من دون علاج وعلاج جذري نهائي.
ولكن ماذا عن إسقاط النظام والمطالبة برحيل الحكومة التي هي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لا تزال قائمة. قوى التعطيل أوصلت لبنان الى الفراغ الرئاسي، ثم أقفلت مجلس النواب والآن وصلت الى السلطة التنفيذية ودائماً لمآرب شخصية تغلفها في إطار حقوق عامة وتحديداً حقوق المسيحيين.
ولعل من حق أي مواطن أن يتساءل: هل أن الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية وتعريض الكيان اللبناني برمته لإهتزاز يصب فعلاً في تحصيل حقوق المسيحيين؟ هل يجوز تصوير الوضع على أن إنتخاب هذه الشخصية حصراً هو “الممر الإلزامي” لتحصيل حقوق المسيحيين؟ وهل أن المغامرة بإتفاق الطائف الذي حسم صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين يساهم في تحصيل تلك الحقوق؟
مهما يكن من أمر، وبالعودة الى التحرك الشعبي في ساحة رياض الصلح، فإن الضغط الشعبي في إتجاه تحقيق إنجازات إقتصادية وإجتماعية مطلوب جداً. أما المغامرة في إسقاط النظام، فإنه من الممكن توظيفها من قبل قوى سياسية تعتبر أنه يخدم مصلحتها وسياستها سيحول هذا الحراك للأسف الى مطيّة لخدمة هذا المشروع، وإجهاض هذا التحول لا يتم إلا بالعودة الى الشعارات المطلبية الأساسية للتحرك.
الإندساس السياسي في التحرك الشعبي قائم في حين أن “الإندساس الشعبي”، إذ صح التعبير، في التحرك السياسي ليس موجوداً والدليل رفع بعض القوى السياسية الشعار الشهير الذي أطلقه ملك فرنسا لويس الرابع عشر: “أنا ومن بعدي الطوفان”!
———————————————–
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة
Facebook: Rami Rayess II
Twitter: @RamiRayess