التغيير الديموغرافي: خطر إيراني ينهش سوريا بتسهيل من الأسد

تتعزز الجهود الإيرانية برضى وتسهيل من نظام بشار الأسد في إحداث التغيير الديموغرافي في سوريا، وهو خطر يحيط بالسوريين منذ بدء التدخل الإيراني في الثورة السورية مع بداياتها وانحياز طهران إلى جانب الأسد ضد الثائرين.

واستثمرت إيران في مشروعها القاضي بتغيير التركيبة السكانية بالمدن السورية أمرين، الأول ظروف الحرب ودعم النظام بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة لتهجير السكان من مناطقهم عبر سياسة ممنهجة، أما الأمر الثاني فهو خضوع النظام بالكامل للأوامر الإيرانية ثمناً لدعمه واستخدامه كأداة لتوسيع النفوذ الإيراني في سوريا على غرار ما يجري في العراق، مقابل حماية من المحاسبة.

وفضحت المفاوضات الأخيرة التي جرت بين حركة «أحرار الشام» الإٍسلامية والإيرانيين بخصوص الزبداني المشروع الإيراني القاضي بتفريغ الزبداني من سكانها واستبدالهم بسكان بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين بريف إدلب، ويتزامن ذلك مع تعزيز النفوذ الإيراني بالعاصمة دمشق وما حولها.

مدن تغيرت

وشهدت المدن السورية حالات موثقة تعكس حصول تغيير ديموغرافي ما زال يحدث حتى الآن، ففي مدينة القصير بريف حمص تهجر آلاف السكان السنة منها بعد سيطرة قوات النظام والميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً عليها لا سيما ميليشيا «حزب الله» في منتصف العام 2013، ولم تخف الميليشيات حينها سعيها إلى تحويل المدينة إلى ملاذ للشيعة، حيث ظهر جنود مدججون بالسلاح في تسجيل مصور نشر على موقع «يوتيوب» وهم يرددون عبارات طائفية ويرفعون راية سوداء كتب عليها «يا حسين» على أحد المساجد في المدينة.

وباعتراف لبناني، فإن القصير باتت تشهد تواجداً شيعياً كبيراً من قبل ميليشيا «حزب الله»، حيث أكد عضو البرلمان اللبناني النائب معين المرعبي في شباط الفائت تواجد مطلوبين من الميليشيا للحكومة اللبنانية في مدينة القصير وإقامتهم فيها.

وتمنع قوات النظام وميليشيا «حزب الله» سكان القصير من العودة إليها على ما أكد الناشط من مدينة حمص سامر الحمصي لـ»السورية نت«.

وقال الحمصي إن سكان جميع القرى والبلدات في القصير قد تهجرت، وتم جلب أهالي الميليشيات الشيعية من لبنان عبر القرى الحدودية إلى المناطق السنية في القصير، مشيراً إلى أن ميليشيا «حزب الله» المدعومة إيرانياً حولت المدينة إلى ثكنات عسكرية ومراكز لتدريب الميليشيات الشيعية ومن بينها ميليشيا «لواء الرضا» ذات النفوذ الواسع في حمص.

وفي تحرك يسعى إلى تجريد السكان السنة من أملاكهم، أكد الحمصي لـ»السورية نت» أن مجلس محافظة حمص التابع للنظام وضع «تحذيرات» على أبواب المحلات في السوق القديم بمنطقة حمص القديمة تطالب أصحابها (الممنوعون المهجرون أصلاً) بالعودة إلى فتح محالهم، وإلا سيجري تسليمها إلى آخرين.

ويقصد بالآخرين هنا العلويين والشيعة بحسب الحمصي لأن النظام لن يمنح المحال لأحد من دون الحصول على موافقات أمنية، ما يعني أن الفرصة الأكبر لاستملاك هذه المحلات للعلويين في حمص أو الشيعة الذين يتوافدون على المدينة للسكن فيها.

وللمضي في التغيير الديموغرافي في مدينة حمص، أحرقت قوات النظام وميليشيا «حزب الله» السجلات المدنية والعقارية للسكان، ما يعني ضياع بيانات آلاف العائلات التي تثبت أحقية تواجدها في حمص وامتلاكها العقارات والمنازل، وبالتالي فإن آلاف السوريين باتوا بلا حقوق في حمص، وهو ما عبر عنه ناشطون بالقول إن «حرق السجلات خطوة على طريق التغيير الديموغرافي في حمص«.

ومن الجدير بالذكر أن الجبهات التي يسيطر عليها نظام الأسد في حمص يجري تسليمها للميليشيات الشيعية، ووثق ناشطون هذا الأمر بنشرهم أمس صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي توضح تواجد ميليشيا «حزب الله» على نقاط عسكرية تحاصر مدينة الحولة.

ويؤكد الناشط الحمصي لـ»السورية نت» أن النظام سلم جبهات ريف حمص الشمالي إلى ميليشيا «لواء الرضا» وتقع أبرز النقاط التي تسلمتها الميليشيا في قرى: «الغور الغربية، والحازمية، والكاظمية«.

سوريا المفيدة

ويلاحظ أن التغيير الديموغرافي الذي تسعى إليه إيران في سوريا يتركز في مناطق غرب سوريا، بحيث تخلق منطقة نفوذ تضم المؤيدين للنظام وأصحاب الولاءات لإيران من العلويين والشيعة، بما يساعدها على توسيع رقعة النفوذ إلى الأراضي اللبنانية حيث يتواجد أنصار ميليشيا «حزب الله» في البـ-قاع وبعلبك على الحدود السورية اللبنانية.

ففي أرياف حماه، يشير مراسل «السورية نت» حسن العمري إلى تهجير سكان قرى «العشارنة، وقبر فضة، والرملة» عبر عمليات القصف الممنهجة. ولفت المراسل إلى أن سكان من قرية اشتبرق العلوية قد انتقلوا إلى «قبر فضة والرملة» وسكنوا في منازل المهجرين منها.

ولعل المنطقة الأهم بالنسبة لإيران هي العاصمة السورية دمشق، وذلك لدلالاتها الدينية والسياسية، وتعزز إيران نفوذها في دمشق عبر الدفع في إنشاء الحسينيات وتعظيم المظاهر الشيعية في المدينة التي تعرض سكان أريافها إلى عمليات تهجير ممنهجة، ومن ناحية ثانية، فإن نظام الأسد يساعد المخطط الإيراني في تغيير التركيبة السكانية للأحياء الدمشقية عبر بيع العقارات إلى عائلات المقاتلين الشيعة من العراقيين واللبنانيين.

وكشف سهيل وهو مهندس يعمل في دمشق عن شراء تجار يتبعون لإيران المنازل في قلب العاصمة بمبالغ كبيرة. وقال لـ»السورية نت» موثقاً حالة عايشها بنفسه أنه «باع منزله في حي المزرعة (وسط دمشق) بـ40 مليون ليرة لرجل أعمال خليجي، تبين في ما بعد أنه يعمل لصالح شركات إيرانية تعمل على السيطرة على أكبر قدر ممكن من المنازل في دمشق«.

ويضيف سهيل ««بعتُ منزلي وسافرت إلى تركيا متيقناً أني لن أعود إلى هذه المدينة يوماً لأني لم أكن الأول ممن باعوا بيوتهم لإيرانيين فهناك الكثير من الأمثلة لأشخاص باعوا بيوتهم في العدوي والمزرعة وشارع بغداد«.

وفي دمشق أحياء ومناطق بات يطغى عليها التواجد الشيعي أكثر من ذي قبل كـ«حي الأمين، وزين العابدين، وحي الجورة (الذي بات يسمى بحي زين العابدين) وأحياء في دمشق القديمة، ومنطقة السيدة زينب». ويتحدث سكان العاصمة عن أن دمشق بات يكسوها السواد بشكل لافت خلال العامين الأخيرين، حيث تنتشر الأعلام السود التي تعد رمزاً للشيعة، إضافة إلى انتشار اللطميات في أسواق دمشق كسوق الحميدية.

وتعيش مئات العائلات في العاصمة دمشق على أعصابها من مصير مجهول ينتظرها وقد يزيدها بؤساً إلى بؤسها الحالي، إذ باتت مهددة بأن تصبح بلا منازل، إثر مضي سلطات نظام الأسد في تطبيق المرسوم 66 وما سينجم عنه من هدم للبيوت في العديد من أحياء المدينة.

ويمثل ما بات يعرف بمشروع «مدينة الاقحوان» في دمشق خطراً إيرانياً على تركيبة السكان في العاصمة، إذ من المقرر أن تهدم آلاف المنازل في مناطق المزة، وكفرسوسة، وغرب الميدان، والمتحلق الجنوبي.

وفي هذا السياق، يشير عبد العزيز وهو قانوني سوري في تصريح لـ»السورية نت»، أن «القضية أخطر مما نتوقع فهي قضية تهجير في المرتبة الأولى تستهدف أهالي دمشق الأصليين وتستهدف تغيير ديموغرافية السكان في المنطقة، ولا نستبعد أن تصبح هذه المنطقة مستقبلاً محشراً إيرانياً للنظام لا سيما أنها تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من السفارة الإيرانية التي شيدها النظام منذ 8 سنوات في المزة، كما أنها قريبة من مجلس الوزراء ووزارة الخارجية«.

وخلال المفاوضات الأخيرة حول الزبداني، هدفت إيران إلى جلب سكان «كفريا والفوعة» إلى المدينة لأمرين، الأول تحقيق التغيير الديموغرافي، والثاني الاستفادة من المقاتلين من القريتين الشيعيتين الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل، وزجهم في معارك بالغوطة الشرقية قد تنهي وجود المعارضة فيها وتهجير سكانها بما يحقق الحلم الإيراني في إيجاد نفوذ لها بمناطق غرب سوريا أو ما باتت تعتبرها طهران «سوريا المفيدة«.

———————————-

(*) «السورية نت»