الغوطة المذبوحة

د. قصي الحسين

بدت الغوطة الشامية، عشية يوم الأحد 16 آب 2015 كالعروس المذبوحة غدر بها من الوريد إلى الوريد. نقل المصورون والإعلاميون والناشطون، صورتها بمئات الجثث. تجلببت في الذكرى السنوية الثانية لمجزرة الكيماوي بدماء الأطفال والنساء والشيوخ. تحدثوا عن إبادة حقيقية للسوق وأهلها ودوما وأهلها والغوطة وأهلها وبردى وأهله..

وقيل إن مجازر دوما والغوطة الشرقية عشية ذلك اليوم المشؤوم، كان قد بلغ عدد ضحاياها المئة، في ذروة الإغارة عليها وإغراقها بالبراميل المتفجرة. بينهم زهاء 82 طفلاً وأكثر من 250 جريحاً. وبث ناشطون شريط فيديو على الانترنت ظهر فيه الموقع عقب الهجمات الفاشية الغادرة، فبدت فيه آثار الركاميات والعمائر المهدمة إضافة إلى آلاف الشظايا والأكوام المعدنية. ولم تسلم واجهات المحال التجارية ولا البيوت الخلفية من عنف الانفجارات وشدة العصف والقصف، بحيث بدت السيارات والعربات والآليات وقد انقلبت رأساً على عقب وسط الأنقاض وركام الانهيارات. وكأن زلزالاً قوياً ضرب المكان.

وفي قرية “عين الفيجة” بوادي بردى كانت المروحيات المغيرة تنفذ أعظم المجازر، بعد استهدافها بالبراميل المتفجرة، فتحصد عشرات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ. وبدا الطيران لليوم الثاني، يواصل سياسة “الأرض المحروقة” بقصف دوما، شرق دمشق، على وقع الذكرى الثانية لـ”مجزرة الكيماوي” التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين حتى عرفت أرض الغوطة الشرقية ببلاط الشهداء، لكثرة الجثث التي رصفت فوقها.

دوما
وبلغ عدد الغارات التي شنها الطيران على المناطق الآهلة في الغوطة نهار الأحد 16/9/2015 نحواً من عشرين غارة، فكان نصيب مدينة دوما الصغيرة وحدها خمس غارات، ونصيب مدينة “عربين” الأبية خمس غارات أيضاً، أما مدينة حرستا المحروسة، فقد نفذ الطيران فوقها أكثر من عشر غارات، أحالت الغوطة الشرقية بكاملها إلى عروس من دماء.

وهكذا إذاً، بدت الغوطة كعروس مذبوحة صبيحة يوم الأحد 16/9/2015 حيث واجهت أكثر الهجمات دموية منذ الهجوم بالسلاح الكيماوي على المنطقة ذاتها في 21/9/2013 وكانت حصيلتها يوم ذاك، أكثر من 1400 شهيد من المدنيين. وكان وقع المجزرة الدموية التي لفت الغوطة صباح الأحد كالصاعقة، حيث علق “ستيفان أوبراين” وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الاغاثة في حالات الطوارئ في مؤتمر صحافي في دمشق فقال:”أصبت بالذهول من جراء التجاهل التام لحياة المدنيين. وهالتني تحديداً التقارير عن الضربات الجوية التي تسببت في مقتل عشرات المدنيين وإصابة المئات في قلب دوما، وهي “جزء محاصر من دمشق”. وغير بعيد من ذلك قال دي ميستورا في بيان من جنيف أن “قصف الحكومة لدوما كان مدمراً”، مضيفاً: ” من غير المقبول أن تقتل حكومة مواطنيها، بغض النظر عن الظروف”.

كذلك قال دي ميستورا أيضاً، إن هجوم الأحد، أعقب قصف دمشق الأسبوع الماضي من جماعات المعارضة المسلحة، فضلاً عن قطع المعارضة امدادات المياه إلى دمشق، وهذه تدابير تؤثر في المدنيين. وهي غير مقبولة. ودعا دي ميستورا من جانبه إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط وإلى وقف القتل. فحل الصراع في سورية لا يمكن أن يكون بطريقة عسكرية. وهذا ما أثبتته سنوات الحرب الأربع الماضية.

ويجمع المحللون والمتابعون لأحداث الثورة السورية، أن قصف العروس دوما، إنما يأتي في إطار سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام، والذي يريد أن يظهر من خلاله أنه قادر على قتل العدد الذي يريده من المواطنين

السوريين المدنيين. أما المجتمع الدولي، فهو لا يبدي أي اهتمام لذلك. ولا يأبه للعروس الذبيحة المتجلببة بدماء الغوطة ونهر بردى. ولو ببيان إدانة من بعيد!

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث