سيادة سوريا ومبادرة إيران

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

عندما أعلن تشكيل التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «داعش»، كان تحذيرا من قبل مسؤولين في النظام السوري: «أي عمل على الساحة السورية يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية وإلا كان خرقاً للسيادة»! بدأت طائرات التحالف عملها ووجهت ضربات لمواقع التنظيم، مرفقة بتهديد واضح للنظام: «إذا تعرضتم لطائراتنا سيكون هناك رد قاس من قبلنا عليكم». أميركا ضربت، والنظام لم يردّ إلا بتسريبات تقول إن تنسيقاً حصل معه من قبل الأميركيين! قيل إن رسائل أبلغت إلى مندوبه في الأمم المتحدة وإن رسائل نقلها العراقيون من الأميركيين لدمشق!

في كل الحالات استمرت طائرات التحالف في الضرب، واستمرت عصي النظام في الضرب على طبول السيادة والتنسيق!

قامت إسرائيل بتفكيك تجهيزات المفاعل النووي في دير الزور، وبتوجيه ضربات متتالية ضد مواقع سورية للصواريخ، وقوافل لنقل السلاح.. مما اعتبره النظام خرقاً للسيادة وهدّد بالردّ في الوقت المناسب، ولم يحصل شيء.

واليوم تقوم طائرات تركية بالإغارة على مواقع «داعش». اعتبرت العمليات خرقاً للسيادة السورية، لكن لم يتم التصدي لها كما حصل سابقاً! تقوم طائرات أميركية بضرب مواقع «النصرة» على الأرض السورية، لأن عناصرها خطفت بعض السوريين الذين تدربوا في إطار البرنامج الأميركي لتشكيل قوة سورية من المعارضة المعتدلة لقتال «داعش» وليس لقتال النظام. ومعروف أن العدد النهائي الذي رست عليه بورصة الاختيار وصل إلى 60 مقاتلاً لأن باقي المتدربين، والذين تم اختيارهم، لم يوقعوا العقود لأنها تضمنت شرطاً واحداً: «قتال داعش وليس النظام».

المهم، انتفضت أميركا لـ«كرامتها» و«معارضتها». فهي لا تتحمل توجيه ضربة لعناصرها وإلا فقدت كل صدقية. هي غير قادرة على حماية «جماعتها». كانت تبرّر موقفها السابق بعدم دعم المعارضة المتطرفة لأنها لا تثق بها. اليوم لا تستطيع التفرج على ضرب معارضتها وترك عناصرها مكشوفين. لابد من حمايتهم. فضربت الذين خطفوا عدداً منهم. المفارقة، أن الضربة جاءت في وقت تطالب فيه تركيا بإقامة منطقة آمنة. و«النصرة» ليست بعيدة عن تركيا. وكأن عملية الخطف «مركبة» لتقوم أميركا بالضرب وتوافق على إقامة هذه المنطقة لحماية «معارضتها». مسؤولو النظام نسوا السيادة، إلى أن تذكرها وزير الخارجية وليد المعلم في طهران عندما قال: «ليس ثمة معارضة معتدلة، ومعارضة متطرفة. كل من يقاتل الدولة إرهابي. ومثل هذه الأعمال خرق للسيادة»! يعني الاستمرار في سياسة إنكار وجود معارضة واعتبار كل من يقف في وجه النظام إرهابياً! في لحظة يبحث فيها عن تسوية وحل سياسيين للأزمة السورية بعد الاتفاق النووي مع إيران، وبمساهمة منها مع روسيا بالتناغم مع الأميركيين، الذين قالوا بوضوح وفي موقف رسمي: «إن نظام الأسد ملتزم بالنصيحة التي قدمناها بعدم اعتراض أنشطتنا داخل سوريا». ويعني ذلك أن أميركا عندما تريد فعل شيء فهي قادرة عليه. ثبت ذلك في «كوباني» ولو بعد «دمارها»، وفي «تل أبيض» بعد «تحريرها» من «داعش» في التوقيت الملائم لها، وفي «تكريت»، وفي اصطياد «أبو سياف» وزوجته خلال علمية كوماندوز نوعية داخل الأراضي السورية! لكن أميركا لا تريد الآن إسقاطه. الأولوية لـ«داعش» وللإرهاب الذي لم يكن موجوداً في البداية. إنها لعبة التخريب المستمرة. وفي كل الحالات ورغم كل الخلافات بين موسكو وواشنطن، فإن قنوات التواصل للتعاون في مجالات كثيرة لا تزال مفتوحة. ظهر ذلك في موضوع اليمن، وفي النووي الإيراني، وثمة محاولة لبلورة حل سياسي للأزمة السورية بعد الاتفاق النووي في فيينا، يجري البحث عنه في القاهرة والدوحة وموسكو وطهران وعمّان بتناغم أميركي روسي. في هذا التوقيت طرحت إيران مبادرتها المعدّلة والتي قد تتضمن وقفاً لإطلاق النار وحكومة وحدة وطنية وإصلاحات وإجراء انتخابات.

يذكرني ذلك بما كررته دائماً عن الحرب السورية المشابهة للحرب اللبنانية على مساحة أوسع ومخاطر أشد. إنها جولات من الحرب ستطول إلى أن يأتي الحل.

في الحرب اللبنانية التي دامت من 1975 إلى 1990 كانت صولات وجولات وهدنات وحكومات وبرامج وأفكار حلول. لم تنضج إلا بعد خمسة عشر عاماً، وجاء الحل تجميعاً لكل تلك الأفكار. إذن، أقول: إذا حصل شيء من هذا القبيل، فسيكون شبيهاً. الظروف الدولية والإقليمية تقضي بالبدء من مكان ما. لكن لن يكون حلاً نهائياً. المهم البداية بالنسبة للروس والأميركيين على القاعدة الثابتة التي تناولتها أكثر من مرة؛ الأميركيون يقولون: «بدء العلمية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد»، والروس يجيبون: «انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد»! يعني عندما نتفق يكون التغيير، ولا يكون الأسد. يأتيك من يقول: لقد صمد النظام وانتصر وحسم أمر بقائه. تذكيراً بلبنان: كنا نسمع هذا الكلام. انتهى الأمر بانتهاء النظام. والذين كانوا يقولون على مدى 15 عاماً: لقد بقي النظام، سُئلوا وسألوا أنفسهم ويسألونها اليوم: ماذا بقي لنا من النظام؟ وماذا بقي من الدولة اللبنانية؟