صانع السجاد الايراني وبائع السجاد الأميركي

رفيق خوري (الأنوار)

كما في الكونغرس كذلك في المنطقة: تطمين في موسم القلق. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتولى الدور المباشر الأبرز في تسويق الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة ٥١. وليس أصعب من مهمته لدى المعترضين على الاتفاق سوى مهمة هؤلاء في تقديم بدائل عملية قابلة للتحقيق. فالطرفان يلعبان ورقة التخويف. ادارة الرئيس اوباما تقول إن البديل من الاتفاق هو امتلاك ايران لسلاح نووي خلال أشهر أو حرب أميركية ليست مضمونة النتائج ولا مجهولة المضاعفات. وحجة المعترضين هي الخوف من أن طهران لن تتوقف عن الطموح النووي ولا عن زعزعة الاستقرار الاقليمي مستفيدة من الاعتراف بها كقوة اقليمية كبرى ومن تحرير المليارات عبر رفع العقوبات.

ومع التخويف يأتي التطمين. كيري يطمئن نظراءه الخليجيين الى أن الاتفاق يضمن أمن دولهم. وهو يعرف طبعاً أن هواجسهم ليست حول السلاح النووي بمقدار ما هي حول النفوذ الايراني المتصاعد في المنطقة. وهم يعرفون أن سياسة أميركا ليست مبنية على هواجسهم، وإن أبلغهم كيري معارضة الدعم الايراني للارهاب في اليمن وسوريا والعراق، ودخل معهم في قراءة عميقة لقول المرشد الأعلى علي خامنئي أنه لا تغيير في موقف طهران من غطرسة أميركا، ولا في دعمها للأصدقاء في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين.

لكن التطمين لم يقتصر على تأكيد المواقف بل دخل في تقوية المواقع. شيء من السلاح المتطور. شيء من تدريب العسكر. شيء من التعاون في مجال الاستخبارات. وشيء من المتابعة لما جرى التفاهم عليه في قمة كامب ديفيد الأميركية – الخليجية.

ذلك ان ايران التي تمارس السياسة ببراعة صانع السجاد، حيث عين على التصميم العام وعين على التفاصيل، حصلت على الاتفاق الذي أبقى المشروع النووي وضمن مصالحها الاقتصادية والمالية والتسليم بدور اقليمي لها. وأميركا التي أعطت الأولوية للتوصل الى الاتفاق، كلفت كيري القيام بما كان يسميه الموفد الأميركي الى لبنان فيليب حبيب خلال ثمانينات القرن الماضي دور بائع السجاد. وهو، حسب وصفه، يحمل السجاد على كتفيه ثم يضعه على الأرض في المتجر أو المنزل الذي يدخله، فلا يخرج منه قبل أن يبيع قطعة أو أكثر.

وهذا ما فعله كيري في القاهرة والدوحة. في القاهرة باع مصر بعض ما تحتاجه من مواقف سياسية تحت عنوان العودة الى الحوار الاستراتيجي. وفي الدوحة باع نظراءه الخليجيين تطمينات كلامية وبعض الاتفاقات العسكرية والأمنية. وصانع السجاد الايراني يكمل حياكة مشروعه الاقليمي ومده في المنطقة.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

فصل رئاسي في محنة أميركا

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب