هل أخطأت بعض قوى 8 آذار في تسييس ملف النفايات؟

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

في العام 1997 خلق ملف النفايات المنزلية في بيروت وجبل لبنان أجواء مشحونة في البلاد، عندما بلغت أخطار إشتعال مكب برج حمود شمال بيروت حداً لا يُطاق، فكان لتعاون الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنيلاط دوراً حاسماً في الإتفاق على مخرج جنَّب لبنان أزمة سياسية وبيئية عاصفة، وتولَّى وزير البيئة آنذاك أكرم شهيب تهيئة مناخ الحل، وبدأ العمل في مطمر الناعمة – عين درافيل إلى حين إيجاد مخرج دائم للأزمة. والحل للمأزق- في حينها- جنَّبَ الدولة مُشكلات جوهرية على مدى 18 عاماً، من دون أن يتم إيجاد حلول دائمة لهذه المُعضلة، عن طريق إستخدام تقنيات حديثة لتصريف النفايات، من خلال الفرز والتدوير والمعالجة، أو عن طريق الحرق الحراري، وهذه مسؤولية كل القوى السياسية من دون إستثناء، ويتحمَّل الوزراء الذين يُعرقلون عمل الحكومة الحالية المسؤولية أكثر من غيرهم.

إستفادت القوى التي كانت تدور في فلك الوجود السوري من هذا الحل لتسع سنوات لاحقة، بعد أن تمَّ تعيين العماد اميل لحود لهذه المدة – بقرار من الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد – رئيساً للجمهورية عام 1998، برُغم أن هذه القوى كانت تُحرِّض على مكب برج حمود، وتُثِير القلاقل بوجه الرئيس رفيق الحريري.

التاريخ يُعيد نفسه، كأنما نمط التعاطي الاستخباري – اللامسؤول ما زال قائماً، وبالتالي فالسلطة دائماً أهم من الاعتبارات المعيشية والحياتية، وبعض القوى التي تعتمد الأسلوب الشعبوي – الأمني لم تتعلَّم من أخطاء الماضي، وما زالت تعتبر أن بعض أفراد الشعب إحتياط يمكن إستخدامه لإزعاج الخصم السياسي، من دون تقييم الارتدادات التي قد يُحدثها هذا الاستغلال في الأوقات اللاحقة، لأن التعبئة الشعبية غير المحسوبة، قد تأتي بنتائج عكسية على المدى الأبعد، وهذا بالفعل ما حصل في العام 2005.

مناسبة الكلام عن هذه العناوين خطورة الأوضاع في لبنان، والتي يتداولها الجميع بالسرِّ والعلن، والأزمة هذه المرة؛ من النوع الذي قد يؤدي إلى تفلُّت الأوضاع برمتها، رأساً على عقب، وقد برزت بداية الانحلال في طريقة تعامل بعض القوى مع ملف النفايات، وإستغلاله سياسياً في وجه فريقٍ كان يتعاطى بمسؤولية مع هذا الملف، علماً أن شركة سوكلين التي كانت تُدير ملف النفايات على مدى 18 عاماً، كانت تخضع لوصاية وزارات، غالباً ما تولاها وزراء من قوى 8 آذار، أو حلفائهم.

فَضَحت بعض قوى 8 آذار نفسها في الأزمة الحادة التي تعصف بالبلاد من جراء إقفال مكب الناعمة الذي لم يعُد قادر على إستيعاب أية نفايات. فالاعلام المحسوب على هذه القوى وعدد من الشخصيات التي تدور بفلكها، قادت حملة سياسية بوجه الذين كانوا وراء تحمُّل أعباء مُشكلة النفايات- ويتحملون إنتقادات من مؤيديهم- وعلى وجه التحديد رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط. ثمَّ فوجئت الأوساط السياسية عندما إنكشفت هوية الشبان الذين قاموا بإعمال مُخلَّة في بيروت وغيرها من المناطق، كقطع الطرقات وحرق براميل النفايات وإستهداف منزل رئيس الوزراء، وبعض الوزراء المحسوبين على قوى 14 آذار، وتبين أن معظم هؤلاء الشبان ينتمون إلى سرايا المقاومة، أو يدورون في فلك التيار الوطني الحر.

الأوساط السياسية المحايدة ترى أن اللعب في نار الملفات الوطنية، وخصوصاً ملف النفايات، لتحقيق أهداف سياسية خطأٌ غير مُبرَّر اطلاقاً، ولا تتحمله الأجواء المشحونة التي يعيشها لبنان، والجرأة في التعاطي مع ملف النفايات –الوطني – ليس تهمة؛ بل من واجب كل القوى السياسية تحمُّل المسؤولية، والمُساعدة في إيجاد الحلول لكارثة بقاء النفايات في الشوارع، علماً أن الاعتراض على نقلها إلى أي مكان مسألة طبيعية. فبالتأكيد لا يوجد بلدة أو منطقة أو مدينة قد ترحب بنقل النفايات إليها، ولكن أي حل مؤقت هو بالتأكيد أفضل من بقاء السموم بين المنازل وعلى الطرقات.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية