تقاطع مصالح بين ايران وروسيا في سوريا الى حين…

فيصل مرعي

فيما تغرق روسيا وإيران في وحول سوريا. وفيما الهزيمة تلو الهزيمة. وفيما يوماً بعد يوم تتلقيا ضربات موجعة، سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، نتيجة عجزهما عن اقامة التسوية الكبرى، بدا ان الانحلال في بنية النظام الامني، بات على قاب قوسين او ادنى من التفكك والتشقق، بحيث لم يعد يقوى على الصمود، مما جعلهما ابعد من ان يحططا رحالهما على طاولة التسويات والمفاوضات تنفيذاً لمؤتمر جنيف1 انهاء للازمة السورية، بما يحفظ ماء وجههما مع المجتمع الدولي.

اما السر العُجاب، فهو ان روسيا حتى الآن لم تستطع ان تكون رائدة العمل الديبلوماسي، وأن تلعب دوراً رئيسياً في اجتراح الحلول السياسية. فهزائم روسيا السياسية متتالية حتى انه لم يعد بإمكانها حفظ مقعد لها في العملية السياسية، وإن كانت تحاول جاهدة ومن جديد اللحاق في العملية السياسية المقبلة، كي لا تنهزم شر هزيمة، معنوياً وسياسياً. وفي اعتقادها بأنها في سلوكها هذا تستمر في الحرب الباردة، تأميناً لمصالحها، ورسو قدمها على المياه الدافئة. ان روسيا اليوم تحاور وتداور، متلونة بألف لون ولون، فتارة تروِّج بأن بشار الاسد هو في عداد المتأرجحين بالسقوط بين ليلة وضحاها، وتارة تعلن جهاراً بأن لا مانع لديها من ان يأتي ويقبع في القصور الاسدية، أياً يكن الآتي، ومن اي طائفة او حزب… شرط حفظ مصالحها الغد قبل اليوم، ترافقاً مع ادعائها ان جنيف1 هو الاساس الصالح لاقامة التسوية، انبلاجاً لفجر جديد، ومستقبل جديد في سوريا.

غير ان العجيب الغريب، ان روسيا تقول: غير ما تفعل. فهي منذ اندلاع الثورة تقيم ترسانات الاسلحة، ونكدسها على ارض سوريا، مواجهة للشعب الذي تنادى للحرية، والحصول على حقوقه المشروعة. هذا من جهة، ومن جهة اخرى تدّعي ابوة الحل السياسي حفاظاً على مقومات ومكونات سوريا، مع القيام ببعض التعديلات في الاجهزة الامنية في حال انتاج الحل السياسي حسب زعمها، ولكنها درت ام لم تدر اغرقت البلاد في المزيد من تدمير مقومات الدولة ومؤسساتها، بما في ذلك القوى الامنية كاملة، في وقت كانت تأمل فيه تقوية الجيش، تعزيزا لنفوذها ووجودها، الا انه جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، ولم يعد لها ما تشتهيه، فكان ان ترهل الجيش، ولم يعد يقوى على النهوض ثانية، فأسلم امره الى قوى لا تمت بصلة الى ارض سوريا، فتمذهبت وتطوفت البلاد لصالح منطق امراء الطوائف، ما اصاب سوريا في العمق من تحلل وتفتت، فراح يساور روسيا الشك في حال رحيل الاسد، رحيلها معه، واقتلاع آخر معاقلها العسكرية من على شواطئ البحر المتوسط، في وقت استماتت فيه طهران حفاظاً على امتيازاتها وعلى ما تبقى من النظام وازلامه، فعزمت على انتشال الحكم مما يتخبط فيه من ازمات، فراحت تضحي بالرخيص والغالي لديها لانقاذ النظام حرصاً على مشروعها الذي لم يعد خافياً على احد. وبالرغم من النكسات التي اصابت النظام، تعمل ما بوسعها على انقاذ الطغمة الحاكمة، خصوصاً وانها تعلم تمام العلم ان الانزياح، او الاشاحة عن حماية النظام، تعني اكثر ما تعني الخروج من المعادلة الشرق اوسطية، وبداية هزيمة وانهيار مشروع كانت تحلم به منذ عقود وعقود.

بوتين -روحانى

فالأسد وان كان على شفيرهار من الرحيل، فإن إيران تعمل على تثبيت قدمها في السلطة بكل الوسائل، كي تتصرف كما يحلو ويطيب لها دون حسيب او رقيب، استكمالاً لمشروعها الذي بات واضحا وضوح النهار معتبرة النظام القائم خط الدفاع الاول عن مشروع الممانعة، رامية من وراء ذلك حضورها وتواجدها جغرافياً وسياسياً، والامساك بمفاصل القرار، امتداداً الى لبنان والعراق لتحطط رحالها في نهاية الامر والمطاف بجوار الخط الازرق. مهما يكن من امر، فإن كانت ايران ترمي بثقلها على الساحة السورية تدعيماً للنظام، وحماية خلفية حلفائها، فإنه سيأتي اليوم الذي سنرى فيه سوريا حرة مستقلة. وأغلب الظن، ان هنالك صراعاً خفياً بين روسيا وايران، وان لم يطفو بعد على السطح، حول ما ستؤول اليه المعضلة السورية، وهو قائم في كل الاحوال، الا انه لم يقارب حد القطيعة. فما يجمعهما اكثر مما يقرقهما. فما احوج روسيا الى ايران، وايران الى روسيا في ظل تقاسم النفوذ، وفي ظل اطماعهما في ارض يحلمون بها تاريخياً.

اما ما يثير الشبهات فهو، سلوك اميركا في ظل عدم وضوح موقفها من الصراع القائم في سوريا. وقد يعود ذلك الى ميوعة رؤياها من هذا الصراع، ما ادى الى فقدان دورها في اقامة التسوية السياسية. هذا الموقف المتأرجح دفع بروسيا وايران الى فرض وجودهما على الساحة في اماكن متعددة، ظناً منهما أنهما القوة التي لا ينازعهما فيها احد، وملئهما دور اميركا في القضايا الساخنة. يوم التوترات وارتفاع منسوب الازمات، تتفاقم حدة الصراع بين الافرقاء الذين وكأنهم في بداية المشكلة متفقون، ولكن على ماذا، على تقاسم نفوذ وحماية مصالح لا غير، ولكن يفترقان عندما تدق ساعة التسوية الحقيقية. فما كان جامعاً بينهما بالامس، سيكون خلافاً في الغد على طاولة المفاوضات والتسويات، لا سيما عندما يضع كل فريق اوراقه على الطاولة، التي لم ولن يقبل التنازل عنها، مما سيرتد كل من الفريقين الى الاحتفاظ بمصالحه، ومما سيزعزع العلاقة التي هي اساساً ليست في ثوابت كلا الدولتين، فالصحيح الصحيح، ليس بمقدور ايران وروسيا الهيمنة على ارض ليس لهما فيها ثبات، وليس بامكانهما تحقيق احلامهما التوسعية، كما ليس بمقدورهما نيل الصفة الشرعية اقليمياً ودولياً، سيما وان زمن الاحتلالات والاعتداءات ولى الى غير رجعة.. فما من حق سليب الا وسيعود الى اصحاب الارض الحقيقيين طال الوقت ام قصر.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…