“معاريف”: الرسالة الضمنية لباراك أوباما من خلال إطلاق الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد

إطلاق جوناثان بولارد المحدد في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، كان متوقعاً قبل عامين. ووفقاً لحساب مدة سجنه ورد ذكر تاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 على أنه اليوم الذي من المتوقع أن تصدر لجنة الإفراج أمراً بإطلاقه. في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر سيكون قد مضى 30 عاماً بالضبط على سجن بولارد في واشنطن بعد تفتيش الـ”إف بي آي” لمنزله، ومحاولته الهروب باتجاه السفارة الإسرائيلية على أمل الحصول على ملاذ.

على الرغم من ذلك، فإن الخبر السار عن خروج بولارد من السجن لا يستطيع أن يغير من الإحساس الواضح، على الأقل في الولايات المتحدة، بأن لإطلاقه علاقة بالاتفاق النووي مع إيران. ولكن إطلاق بولارد لا يستطيع أن يخفف من موقف إسرائيل الصارم ضد الاتفاق النووي.

 إن إطلاق بولارد ليس رسالة موجهة فقط إلى إسرائيل، بل هو أيضاً رسالة موجهة بصورة خاصة إلى يهود الولايات المتحدة وإلى أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المترددين بين ما إذا كان عليهم أن يصوتوا ضد رئيسهم في ما يتعلق بالاتفاق النووي أم معه.

 من الصعب تصديق كلام الإدارة بعدم وجود صلة لإطلاق بولارد بالمعطيات السياسية، فإطلاقه واجه اختبارين سياسيين وعدة أزمات خلال حكم نتنياهو؛ كانت المرة الأولى سنة 1998 أثناء مؤتمر واي بلانتايشن حيث حصل نتنياهو على موافقة الرئيس بيل كلينتون على إطلاق بولارد في إطار اتفاق كان من المفترض بإسرائيل في حال إنجازه أن تنقل بضع أراض إلى السلطة الفلسطينية. لكن الإطلاق عرقل من جانب رئيس الـ”سي آي إي” آنذاك جورج تينت الذي هدد بالاستقالة.

 أما المرة الثانية فكانت في نيسان/أبريل 2014 قبل انتهاء جولة المحادثات بشأن الصيغة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وكما تضمنت هذه الصيغة أوراقاً أخرى مثل إطلاق إسرائيل سراح مخربين، أدخلت أيضاً ورقة بولارد. لكن انهيار المحادثات ألغى إمكانية إطلاق بولارد، ولا نعرف إلى أي حد كانت هذه الخطوة في الحقيقة عملية.

 لذا، فهذه المرة أيضاً، تبدو ردة الفعل التلقائية على إطلاق بولارد سياسية. وفي هذه الجولة كذلك، فإن هذه الخلفية هي الاتفاق النووي. تبدو الجالية اليهودية ضعيفة أكثر من أي وقت مضى وقسم منها يؤيد أوباما – كيري بقوة في الموضوع النووي. لكن أغلبية الجالية اليهودية، ومن ضمنها ليبراليون ويساريون، والجالية في بوسطن وجاليات إصلاحية، تعارض الاتفاق النووي. ومجرد تسليط أضواء الاعلام السياسي على جوناثان بولارد يمكن أن يردع اليهود، وبذلك يُسكت أوباما صوت الجمهور اليهودي.

 إن أكثرية التصريحات القاسية والمتضمنة انتقادات أخلاقية وجهت في الفترة الأخيرة ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والسفير السابق مايكل أورون. وفي الخطاب الذي ألقاه أوباما في كنيس “طائفة إسرائيل” في واشنطن، كال الرئيس الثناء على الجالية اليهودية، ورد عليه الحاضرون بالتصفيق، لكنه ضمّن كلامه تعابير ألمحت إلى التشكيك في ولائهم المزدوج. لذلك فليس هناك مثل بولارد لتذكير يهود أميركا بالكوابيس التاريخية المزعجة جداً التي اتهمتهم بالازدواجية في ولائهم.

 لقد احتل بولارد العناوين الأولى في الصحف بدلاً من بيت إيل [حيث احتج المستوطنون على هدم مبان غير قانونية]، لكن ثمة شك في أن يحدث إطلاق بولارد تأثيراً مشابهاً في الولايات المتحدة، فهو لن يلغي موجة الاحتجاجات ضد الصفقة النووية الخطأ التي من نتائجها، ومن دون أي نتائج أخرى على الأرض، قبول دولة معادية للسامية ترفع شعار القضاء على إسرائيل، في حضن العالم المتحضر. في المقابل، يجري تصوير إسرائيل من جانب الدول العظمى بزعامة الولايات المتحدة بوصفها الشرير المعادي للتسوية الكبرى والذي يهدد السلام.

 إن أوباما وكيري مستعدان منذ الآن لتحميل إسرائيل التهمة. ومن مثل الجاسوس بولارد يمكنه أن يذكّر الجمهور الأميركي بمن فيهم اليهود، بأن إسرائيل خائنة وناكرة للجميل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

———————————

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية