سلام يعتصم بالصبر ولن يستقيل لئلا يتحمل مخاطر الفراغ

تحت وطأة ازمة النفايات المتفاقمة التي زادت طين الازمات التي تواجهها البلاد بلّة، وفي ظل التعطيل المستمر لجلسات مجلس الوزراء بسبب الخلاف على التعيينات الامنية والعسكرية، يحلو للبعض هذه الايام الحديث عن احتمال اقدام رئيس الحكومة تمام سلام على الاستقالة، وكأن البلاد بألف خير ومؤسساتها الدستورية تعمل وفي إمكانها تأليف حكومة جديدة تنجح في تحمل المسؤولية حيث تفشل الحكومة الحالية.

ويقول مصدر نيابي أن تداول بعض الاوساط السياسية بخيار استقالة سلام اعاد تخصيب عقول بعض الفقهاء في القانون والدستور الذين فاضت قريحة بعضهم لتتمخض عن فتاوى دستورية “غب الطلب” ولكنها لا تمت الى الدستور بصلة، ومنها فتوى عبر عنها احدهم ومفادها “ان سلام اذا استقال في امكان حكومته ان تجتمع وتجري استشارات لتسمية رئيس حكومة جديد!”

ويضيف هذا المصدر ان سلام الممتعض والمستاء مما آلت اليه حال حكومته لم يصل به الحال الى ان يفكر جدياً بالاستقالة وهو العالم اكثر من الجميع بسلبيات خطوة من هذا النوع ومخاطرها على البلاد في ظل الشغور الرئاسي المتمادي نتيجة تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية والتعطيل الذي اصاب مجلس النواب تشريعاً وانتخاباً، حيث أنه لا ينعقد في جلسات تشريعية والجلسات التي يُدعى اليها لانتخاب رئيس جمهورية لا تنعقد هي الأُخرى بسبب عدم التوافق بعد على شخص الرئيس العتيد.

ويقول المصدر ان الحكومة إذا استقال رئيسها تصبح مستقيلة دستورياً حُكماً، وتتحول حكومة تصريف اعمال في الاطار الضيق الى حين تأليف حكومة جديدة، ولكن في ظل الشغور الرئاسي لا يمكن تأليف مثل هذه الحكومة لأن هذا التأليف يستدعي وجود رئيس الجمهورية الذي عليه ان يبادر وحده دستوريا الى اجراء استشارات ملزمة له بنتائجها مع النواب والكتل النيابية ليختار بنتيجتها الشخصية التي يكلفها تأليف الحكومة الجديدة، ما يعني ان سلام اذا استقال تتحول حكومته حكومة تصريف اعمال وتستمر في هذه المهمة الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد يبادر بعد انتخابه وادائه القسم الدستوري الى اجراء الاستشارات لإختيار رئيس الحكومة الجديد الذي يبادر بدوره الى اجراء استشارات نيابية وسياسية غير ملزمة له بنتائجها ويقدم بنتيجتها تشكليته الوزارية الى رئيس الجمهورية فإذا توافقا عليها يطلعا رئيس مجلس النواب عليها ثم يصدرا مراسيم تأليفها.

ولذلك، يؤكد المصدر ان استقالة سلام غير واردة في هذه الظروف مهما اشتد الخلاف بين المعنيين على آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء وعلى التعيينات الامنية والعسكرية، وحتى على موضوع النفايات الذي بدأ يهدد الامن الاجتماعي والبيئي والاقتصادي للبلاد اذا لم تتوافر المعالجات السريعة له.

ويرى المصدر ان سلام اذا اقدم على الاستقالة جدياً فإن ذلك سيكون مؤشرا فعلياً الى حصول توافق داخلي وخارجي على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد سريعاً بحيث تدفع استقالته جميع الافرقاء السياسيين الى التوافق فوراً على شخص الرئيس الجديد والنزول الى مجلس النواب لإنتخابه لإخراج البلاد من دوامة الفراغ الرئاسي والحكومي والتعطيل النيابي.

ويلفت المصدر الى ان لا مؤشرات حتى الآن على ان توافقا داخليا وخارجيا حصل او سيحصل قريباً على انتخاب رئيس جديد، خصوصا ان التوافق، او على الاقل التواصل، المطلوب بين المملكة العربية السعودية وايران لم يحصل بعد، فيما كل المؤشرات تدل على ان المواجهة بينهما ستتوسع وتشتد على كل الجبهات الاقليمية في الاسابيع والاشهر المقبلة من اليمن وصولا الى سوريا. وفي هذه الحال لن يغامر سلام بالذهاب الى الاستقالة والتسبب بفراغ حكومي الى جانب الفراغ الرئاسي متحملا تبعات ما يمكن ان يصيب البلاد من مخاطر واضرار على كل المستويات من جراء هذا الفراغ.

ويتوقع المصدر النيابي ان يواجه سلام أزمة التعطيل التي اصابت حكومته بالاعتصام بالصبر، خصوصا ان سببها الرئيسي هو الخلاف بين تيار “المستقبل” بزعامة الرئيس سعد الحريري و”التيار الوطني الحر” بزعامة العماد ميشال عون على الاستحقاق الرئاسي ومطالب الاخير في شأن التعيينات الامنية والعسكرية، فعون ما زال يقول انه اتفق والحريري عليها ونكث الاخير بالاتفاق، والحريري ما زال ينفي ان يكون حصل اتفاق عليها بينهما… وكل الدلائل تشير الى ان المواجهة ستستمر بينهما الى أجل غير معلوم حسب المتشائمين، والى حين انجاز الاستحقاق الرئاسي حسب المتفائلين.. لكن سلام لن يستقيل في اي حال لأنه كان ولا يزال رجل المرحلة الحكومية الراهنة بإمتياز…

—————————–

(*) رانية غانم