مخاطر دستورية تُهدد الاستقرار اللبناني

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

يُواجه لبنان اشكاليات دستورية قد يتفرع عنها مخاطر سياسية واسعة، ذلك ان الاضطراب الذي تعاني منه مؤسسات الحُكم، بدأت تأخذ مسارات وعِرة ومربِكة، وقد تؤدي الى نتائج غير محسوبة تؤثر على حياة الدولة برُمتها. وتزيدُ من الارباك الواسع الذي تعيشه بلاد الارز. هذا الارباك الذي يأتي من جراء الازمات المتلاحقة، لاسيما منها الاشتعال المحيط به في سوريا والعراق، وما ينتج عنهما من اضطراب امني في لبنان، ولجوء واسع من هاتين الدوليتن اليه، ناهيك عن التهديد الدائم من العدوان ” الاسرائيلي ” في الجنوب.

للمرة الاولى في تاريخ لبنان الحديث تبقى الدولة من دون رئيس للجمهورية الى ما يزيد عن 14 شهراً، ومن دون ان تتوضح نهاية لهذا الفراغ حتى اليوم، لأن مجلس النواب المُناطة به صلاحية انتخاب رئيس للجمهورية، فشلِ في تحقيق عملية الانتخاب من جراء عدم اكتمال نصاب جلسات الانتخاب بسبب تغيُّب كتل نيابية عن الحضور للمرة 27 على التوالي.

المادة 62 من الدستور اللبناني تعطي مجلس الوزراء حق ممارسة صلاحية رئيس الجمهورية في حال شغور كرسي الرئاسة لأي سبب كان. تحاول حكومة الرئيس تمام سلام ممارسة هذه الصلاحية بالتوافق منذ 25 ايار/مايو 2014، لكن الاختلاف على بعض الملفات الحساسة – مثل تعيين قائد للجيش ورئيس للأركان – اثار اشكاليات دستورية واسعة، اهمها؛ هل يمارس مجلس الوزراء صلاحية الرئيس بالاجماع؟ ام وفقاً لآلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، اي بموافقه ثلثي اعضاء المجلس؟ وهل صلاحية رئيس الجمهورية بالاطلاع على جدول اعمال مجلس الوزراء الذي يضعه رئيس الحكومة مُناطةٌ بموافقة كامل الوزراء على هذا الجدول، ام ان الاطلاع على جدول الاعمال؛ عملٌ شخصي مرتبط بشخص الرئيس، دون ان يكون صلاحية مٌجيَّرة، طالما انها عملية اجرائية؟

الشلل السياسي وصل الى السلطة التشريعية – ومجلس النواب الذي مدَّدَ لنفسه من جراء عدم القدرة على اجراء الانتخابات في ظلّ الاوضاع الامنية التي كانت سائدة – لايستطيع الاجتماع للتشريع، لأن فتح دورة استثنائية تسمح له بالإنعقاده، تحتاج الى موافقة رئيس الجمهورية، اي الى موافقة مجلس الوزراء. ومعظم الوزراء يعترضون على فتح هذه الدورة للتشريع قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية ( وعلى وجه التحديد مُعظم الوزراء المسيحيين، لكون رئيس الجمهورية يجب ان يكون مسيحيا وفقاً للعُرف الدستوري في لبنان )

الانحباس السياسي الواسع الذي يعيشه لبنان، وتفاقُم الازمات المعيشية والاقتصادية وصولاً الى ازمة طمر النفايات المنزلية، دفعت رئيس الحكومة تمام سلام الى التهديد بالاستقالة.

ما هي التبعات الدستورية لإستقالة رئيس الحكومة، فيما لو حصلت؟

وفقاً للدستور؛ استقالة رئيس الحكومة تعني ان الحكومة برُمتها تعتبر مُستقيلة. وفي هذه الحالة: تنص المادة 53 بند 5 من الدستور” ان رئيس الجمهورية يُصدر منفردا مراسيم قبول استقالة الحكومة، او اعتبارها مُستقيلة” وبالتالي الرئيس حصرياً دون غيره يكلف الحكومة بتصريف الاعمال ريتما يتم تشكيل حكومة جديدة. كما ان الرئيس هو الذي يُجري مشاورات نيابية مُلزِمة لتكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة، بعد اطلاع رئيس مجلس النواب على نتائج الاستشارات النيابية.

في هذه الحالة؛ التي قد تحصل من جراء الضغوطات السياسية الهائلة التي يشعُر بها الرئيس تمام سلام، ستنتُج مخاطر دستورية كبيرة، وخطيرة، لا يُمكن إحتساب انعكاساتها بدقة، لأن الانغلاق الدستوري الذي سيحدث من جراء هذا الموقف صعب للغاية، وقد لا يكون له مخرج وفقاً للقانون الدستوري؛ إلا عن طريق مؤتمر وطني يكون له الصفة التأسيسية، وهذا الامر في غاية التعقيد، لاسيما في ظل وجود تباعد، او شرخ، بين القوى السياسية والحزبية، اذا لم نقُل بين المكونات الطائفية والمذهبية التي يتشكل منها النسيج اللبناني.

إذا استقال رئيس الحكومة؛ لايوجد دستورياً سلطة يمكن ان تقبل استقالته، كما لا يوجد مَن يمكن ان يُكلف الحكومة بتصريف الاعمال، لأنها ايضاً صلاحية رئيس الجمهورية، والعُرف الدستوري القاطع، لايسمح بأن تُعطي اية سلطة صلاحية لذاتها، وبالتالي؛ فإن افتراض؛ ان الحكومة يمكن ان تُكلف ذاتها القيام بتصريف الاعمال، نيابةً عن رئيس الجمهورية، يُشكلُ اختلالاً دستورياً لايمكن التسليم به، وهو قابلٌ للطعن امام المجلس الدستوري، لكونه تجاوز واضح لحد السلطة؛ مع العلم ان المجلس الدستوري في لبنان يعاني من اشكالية قانونية تتمثل بإنتهاء مدة ولايته، من دون ان يُعين بديل عن اعضائه الذين يمارسون اعمالهم وفقاً لمقاربة تصريف الاعمال منعاً للفراغ، رغم ان اعضائه المُتبقين مُنهكي القوى بسبب العمر والمرض.

وفي حالة استقالة الحكومة في ظل غياب رئيس للجمهورية، تبرُز مُعضلات دستورية اكثر ايلاماً مما ذُكر اعلاه؛ بحيث يتعذَّر على مجلس الوزراء المُستقيل – ومُجتمعاً – اجراء مشاورات نيابية، او اصدار مراسيم تكليف رئيس لتشكيل الحكومة، ومن ثمَّ تأليف هذه الحكومة، فهذه المُهمة شخصية، تنحصر بشخص الرئيس، ويستحيل ممارستها جُماعياً، خصوصاً ان الوزراء المُستقيلين الذين يُفترض ان يُشاركوا بالمشاورات نيابة عن رئيس الجمهورية، هم من المرشحين للوزارة، او لرئاستها، وبالتالي فلا يمكن دستورياً ان يُعين الشخص نفسه بموقعٍ ما، او ان يُشارك في قرار؛ يُعطي شخصه صلاحيات دستورية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية