نورا جنبلاط: المهرجان دليل على إرادة الحياة في لبنان

تعود نورا جنبلاط، رئيسة «مهرجانات بيت الدين الدولية»، (الذي يُفتتح الليلة)، بالذاكرة إلى العام 1985 تاريخ انطلاقة المهرجانات، مؤكّدة أن الفكرة انبثقت من النائب وليد جنبلاط في إصراره على أنّ روح لبنان لن تموت. من هنا، جاءت هذه المهرجانات كفعل إيمان بدور لبنان الثقافي والحضاري ولإعلاء صوت المواهب والفنون والموسيقى والكلمة على ما عداها. وتضيف جنبلاط أنّ بداية المهرجانات أتت على نطاق محلي، وكانت البداية متواضعة ومحلية بسبب الحرب التي كانت تعصف بلبنان، وقد افتتحها الفنان مرسيل خليفة الذي يعود إلى بيت الدين في الخامس من آب بعد ثلاثين عاماً مع فرقة الميادين احتفالاً بثلاثينية المهرجان.

والمهرجان، على قول جنبلاط، واجه تحديات أمنيّة كبيرة خلال الأعوام الماضية، «لا سيما منها العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 2006 وكذلك بالنسبة إلى أحداث العام 2007، والعام الماضي بدأ المهرجان مع تفجير إرهابي في أحد فنادق بيروت، ومع ذلك امتلأت باحة بيت الدين بالجمهور، وما هذا إلا دليل على الروح اللبنانية القائمة على ثقافة البناء وإرادة الحياة». وتعتبر جنبلاط أن مشاركة فنانين ومبدعين غربيين دليل على الانفتاح على ثقافات العالم، وأنّ مشاركة المبدعين اللبنانيين موجودة على الدوام وهي أساسية، «لا سيما مشاركة الشباب لدعمهم، من هنا أتى هذا العام اختيار المسرحية الغنائية «بار فاروق» من إخراج هشام جابر وبمشاركة ياسمينا فايد وموسيقى زياد الأحمدية في 20، 21، و22 آب المقبل»، مضيفة أنّ الأوبرا والجاز أساسيان أيضاً في المهرجان، وللموسيقى الكلاسيكية حصة كبيرة معنا، ناهيكم عن الموسيقى الصوفية التي أسّسنا لها في المنطقة، وكذلك الرقص إن من خلال فرقة كركلا في الأعوام الماضية أو فرق عربية وغربية متنوّعة». وتضيف: «في الأول من آب يحيي دايفيد غراي حفله وغراي يعتبر من أهم الموسيقيين في عالم الروك في بريطانيا، وفي الثامن من آب ولمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية «ريكوييم» من تأليف تيغران منصوريان وعزف الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية الأرمنية، أمّا في الثاني عشر من آب فحفل الجاز مع ريبيكا فيرغسون، وفي السابع والعشرين منه الحفل الأوبرالي مع الروسية أنا نيتريبكو يرافقها يوسف إيفازوف وأوركسترا جيوتشينو روسيني، وصولاً إلى السهرة الختامية في تحية إلى كوكب الشرق أم كلثوم مع الفنانة آمال ماهر.

نورا جنبلاط

وترى جنبلاط أنّ الحفلات الكلاسيكية لا تستقطب الجمهور كما هي الحال مع حفلات كاظم الساهر مثلاً، وحفل الافتتاح (الليلة) الذي يضمّ التينور العالمي جان دييغو فلوريزن ترافقه السوبرانو اللبنانية جويس الخوري ومعهما الأوركسترا الفيلهارمونية جياتشينو روسيني استقطبت حوالي 1800 شخص، «هذا متوقّع ومعلوم بينما الأسماء الكبيرة أمثال بافاروتي استقطبت في السابق 5000، وحفلتا كاظم الساهر في 14 و15 آب تخطتا الثمانية آلاف، لكن لا تمكن المقارنة، وكذلك لا يمكن تقديم أعمال تجارية لاستقطاب الجمهور، بل علينا استقطاب أسماء كبيرة إلى لبنان لإعطاء صدى مميز للمهرجان في الخارج، فعلى سبيل المثال أنا عضوة اللجنة التنفيذية للمهرجانات الأوروبية، وهذا التبادل له أهمية كبرى، لا سيما في ظل المتغييرات في المنطقة ومشكلة الهوية والثقافة التي نعانيها».

وتجد رئيسة المهرجان تطوّراً كبيراً في المهرجان، إذ أضحى وبحسب تعبيرها مهرجاناً عربياً عالمياً، مؤكدة على الانفتاح على الحضارات والثقافات مع إيلاء الاهتمام والولاء لجذوره العربية، نافية تدخّل النائب وليد جنبلاط من قريب أو بعيد بالخيارات الفنية للمهرجان: «قد يعطي رأيه بشخصية فنية، فهو منشغل بما فيه الكفاية بقضايا أخرى».

أمّا بالنسبة إلى دعم المهرجان وتمويله، فتؤكّد جنبلاط دعم وزارة السياحة الدائم للمهرجانات كافة، «ومع أنّ الدعم موجود، لكن الثغرات موجودة أيضاً. بما أننّا منظمة غير حكومية لا تتوخى الربح فهناك قانون ينظّم عملنا، من ضمن هذا القانون أن ميزانية المهرجان مقسّمة على ثلاثة أقسام، الأول ويشكّل 33% عبارة عن دعم من وزارة السياحة، والقسم الثاني من المعلنين والثالث من بيع البطاقات. نقدّم الميزانية مطلع السنة للوزارة، ولكن الدعم يأتي متأخراً مدة سنتين، لقد دفعنا الضرائب المترتبة علينا عن العامين 2013 و2014 بينما الدعم لم يأت بعد، والعام المقبل هناك رفع للضرائب بسبب دعم صندوق الفنانين الذي أؤيّده مئة في المئة، ولكن التأخير يدفعنا إلى الاستدانة من المصارف لتغطية نفقات المهرجان ريثما يصل دعم الحكومة، كما تمنعنا هذه النقطة من تقديم إنتاج محلي كبير»، في الوقت الذي ترى فيه جنبلاط وجود تسهيلات على دفع الضرائب إلا أنها لا تنفي وجود غرامات على التأخير في دفعها، «مهرجان العام الماضي كان رابحاً، لكن الربح غير موجود حقيقة بسبب هذه الثغرات وهذه الدوامة في تأخير وصول الدعم». والاستمرارية قائمة على وجود العمل التطوّعي. لجنة المهرجانات تتألّف من 16 شخصاً إلا أنّ فريق العمل في المكتب المؤلّف من 5 أشخاص والعاملين على الأرض هم الذين يتقاضون أجوراً أما الباقون فمتطوّعون».

أمّا عن التوأمة مع عدد من المهرجانات العالمية والمساهمة في تنظيم المهرجانات خارج لبنان تقول جنبلاط، «لطالما كان هدفنا حمل رسالة لبنان الثقافية الحضارية إلى العالم، واستطعنا حمل الشعلة والرسالة، وقمنا بتنظيم مهرجانات الأردن في العام 2010، وافتتحنا مهرجانات هولندا بعمل من إنتاج بيت الدين، وقدّمنا عرضاً مهماً لفرقة صوفية في افتتاح مهرجان «سبوليتو» في إيطاليا، في محاولة لبناء جسور ولتوسعة رقعة الانفتاح الثقافي، ونأمل أن نأخذ مبدعين لبنانيين إلى أكثر من مهرجان عالمي، وتجدر الإشارة إلى أننا تعاملنا مع مهرجان فاس في المغرب، وما زالت المناقشات جارية نحو الإعلان عن توأمة». وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه المهرجان للاستمرار، إلا أنّه استطاع المساهمة في إنشاء أوركسترا في بعقلين بمساعدة آخرين منهم الفنان رامي عياش، «أنشأنا أوركسترا مؤلفة من 70 شاباً من المدارس الرسمية وهم يتابعون دراستهم على نفقة الداعمين ونحن منهم، في المعهد الوطني للموسيقى في بعقلين الذين كنّا وراء إنشائه، كذلك ندعم مهرجان بايبود للرقص الذي يرأسه عمر راجح، والذي سيفتتح مركزاً للرقص في بعقلين أيضاً، وهذا العام سندعم بمبلغ صغير ترميم الموزاييك في بيت الدين على أيدي خبراء من جامعة وارسو في بولونيا».

لا تستغرب جنبلاط أنّ لبنان وبحجمه الصغير مقارنة مع غيره من الدول تعجّ فيه المهرجانات، «ما هذا إلا دليل إضافي على الإيجابيات التي يتمتّع بها اللبناني، فلا أحد يمكن أن يصدّق أنه وعلى الرغم من كل الظروف والحرب في سوريا والعراق واليمن وغيرها والنيران المشتعلة من كل حدب وصوب ما زالت إرادة الحياة كبيرة وسنستمر».

ثمة إيجابيات عدة تراها جنبلاط، في ازدياد عدد المهرجانات وفي المنافسة بينها، إلا أنها تعتبر أنّ الحفلات التجارية تضرب المهرجانات الكبيرة أمثال بعلبك، بيت الدين وإهدن على سبيل المثال، لدينا شهرا تموز وآب لإحياء مهرجاناتنا فقط لا غير بسبب عامل الطقس، وأرى ضرورة في تنظيم مواقيت المهرجانات ووضع معايير لها ضمن جداول زمنية محدّدة، لا سيما تلك التي تقام في بيروت وللتركيز على نجاح كل المهرجانات، نحن على تواصل مع المهرجانات الكبيرة وعلينا إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الكافي في الأعوام المقبلة».

——————————

(*) فاتن حموي / السفير