مَن يُنقِذ الدولة اللبنانية إذا انهارت المؤسسات الدستورية؟

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بدأت فترة السماح المُعطاة للساسيين اللبنانيين لترتيب اوضاع الدولة تتآكل، ونَفَذ جزء كبير من الاحتياط المرصود الذي كان يًغطي النقص في تحمُّل المسؤولية. فالاهتراء يكاد يطال كل مفاصل المؤسسات الرسمية، ومنها يتمدَّد الخلل الى حياة اللبنانيين برُمتها، خصوصاً على المستوى الاقتصادي والامني، وصولاً لمُعضلة النفايات.
يمتلك لبنان مستوىً لا بأس به من المناعة الوطنية، واجه فيها تحديات تعجز دول أُخرى على الصمود امامها. فعدد اللاجئين على اراضيه قد يصل الى ما يوازي نصف عدد سكانه، لاسيما منهم السوريين والفلسطينيين الذين غدرت بهم الوحشية القاسية التي غلبت على الاعمال العسكرية في الحروب الاهلية والاقليمية والدولية الجارية في العراق وسوريا.
لم يَعُد بإمكان الدولة اللبنانية الصمود الى ما لا نهاية امام خطر الانهيار القادم، ذلك ان حجم المُشكلات كبُرَ ككرة الثلج، وتجاوز منسوبها كل الحدود والسدود. فرئاسة الجمهورية شاغرة منذ ما يزيد على 14 شهراً، ومجلس النواب – المُمدَّد له – مُعطَّل منذ نفس المدة ويزيد، وقد دخل التعطيل مؤخراً الى حكومة المصلحة الوطنية التي يرأسها تمام سلام، لتكتمِلَ حلقة الرقص الخطرة على حافة الهاوية المُخيفة، حيت السقوط مُمِيت، وإعادة نهوض فريق الرقص موحداً من قعر الوادي السحيق، مهمةٌ صعبةٌ جداً، بل شبهُ مُستحيلة.
يسود شعورٌ انتقامي لدى اغلبية من اللبنانيين ضد مُعظم الطبقة السياسية، لاسيما منها التي تُساهم اكثر من غيرها في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، وعلى وجه التحديد عدم حضور نواب هذه الفئة لجلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقد عبر البطريرك الماروني مار بشارة الراعي عن اغلبية هذه المشاعر اللبنانية في خطابه الاخير في دير مار عنايا الجبيلي، بمناسبة عيد مار شربل. وسبقه في هذه الصرخة رؤوساء الطوائف الاسلامية في خطبهم بمناسب عيد الفطر. ومنذ شهر اطلقت الهيئات الاقتصادية والنقابية نداءً من اجتماعها الجامع في البيال، حذرت فيه في ضياع البلاد في معمعة الخلافات السياسية التي وصلت بالاقتصاد الى مراحل غير مقبولة، تُهدد بإقفال العديد من المؤسسات الانتاجية.
مخاوف المواطنيين اللبنانيين من المُستقبل ازدادت في هذه الفترة من جراء مراقبتهم للإستهتار الذي تُدار به الامور. والملفات الحياتية بدأت تنفجر، واحدة بعد الأُخرى – وآخرها ملف النفايات – وادى الامر الى فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية، لولا الامل الذي ما زال معقوداً على الجيش والقوى الامنية كضمانة اخيرة لعدم انفلات الاوضاع.
اوساط سياسية مُتابعة ترى: ان تعطيل الحكومة تحت شعار الاتفاق على منهجية عمل لتغطية غياب رئيس الجمهورية، غير مقبول على الاطلاق، وسيجرُ هذا الامر الى فتح سجال على صلاحيات رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة شبهُ يائس من العرقلة، اما بقاء الوضع على هذا السياق مُقامرة غير محسوبة النتائج، وقد تؤدي الى انهيار الدولة. كما ان عدم فتح دورة استثنائية تسمح لمجلس النواب القيام بأعمال تشريعية، هي ايضاً تهرُّبٌ من المسؤولية تحت شعاراتٍ غير مُقنِعة، ولا تُفيد بشيء حقوق المسيحيين التي يُهمشها غياب الرئيس، وهي ايضاً تضييعاً لفرص الاستفادة من الهبات والقروض الممنوحة للبنان، وهو بأمس الحاجة اليها، ودائماً وفقاً للأوساط السياسية ذاتها. وفي هذا المجال تلوم هذه الاوساط موقف وزراء حزب الكتائب والوزراء المؤيدين لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في عدم توقيعهم على فتح الدورة الاستثنائية، لأن مستوى المسؤولية الوطنية المُلقاة على عاتق هؤلاء، تختلف عن الأخرين الذين لهم طموحات شخصية ومُرتبطين بتحالفاتٍ سياسية خارجية تُقيِّد حركتهم.
حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون تريسي داني شمعون التي تحمل الجنسية البريطانية، اطلقت صرخة تُحذر فيها من انهيار الدولة، وصرختها جاءت بعد صمتٍ طويل، وفيها خوف حقيقي من احتمال ضياع لبنان في هذه اللحظة السياسية المتوترة. فهل هناك مَن يتدخَّل في الربع الساعة الاخير، ويُعيد المؤسسات الدستورية للعمل المُنتظِم، ويُنقذ الدولة قبل فوات الأوان؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية