اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

رامي الريس (مجلة الخليج)

كُتب الكثير عن الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، وسيُكتب الكثير في الأيّام والأسابيع المقبلة على خلفيّة أنه إتفاق أتى بعد عقودٍ من العداء والخصومة تخللتها كل أنواع الحروب إلا تلك المباشرة، فتوزعت النزاعات على الساحات والمواقع التي أتيح لها أن تشكل مكاناً لتنفيس الإحتقان والتوتر، بما يُشبه الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركيّة والإتحاد السوفياتي السابق والتي دفعت أثمانها شعوب عديدة في القارات المختلفة.

​الأهم أن محاولة “احتواء” طهران، إذا صح التعبير، من قبل واشنطن من خلال توقيع هذا الاتفاق النووي أثبتت فشلها الذريع بعد أيّام معدودة على إحتفاليّة فيينا. فالمرشد الأعلى علي خامنئي لم يتوانَ عن إعادة تكرار المواقف الديماغوجية القديمة التي إستنفذتها إيران على مدى أربعة عقود، موحياً وكأن شيئاً لم يتغيّر ومحاولاً تحويل الأنظار عن التنازلات التي قدمتها بلاده لتمرير الصفقة تلافياً لإنهيار محتّم للاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات القاسية التي تعرّضت لها طهران منذ سنوات وتم تشديدها خلال السنوات القليلة الماضية.

​في المقلب الآخر، سعى الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلته مع صحيفة “نيويورك تايمز” شرح مقاربة إدارته لمعالجة الملف النووي الإيراني قائلاً بأن واشنطن سعت لإيجاد الحل لإشكالية أن تكون إيران نووية حصراً، متباهياً بأن ذلك يحققه الاتفاق لمدة عشر سنوات بمعزل عن القضايا الأخرى المشتعلة التي لإيران أدوار كبيرة فيها كالعراق وسوريا والبحرين واليمن وسواها من النزاعات الإقليمية.

​ويُذكّر أوباما في موقفه هذا بما فعله خلال الحرب السوريّة إذ أنه أعلن بوضوح أن إستخدام السلاح الكيماوي فيها هو بمثابة خط أحمر، وأنه لن يقبل بحدوثه تحت أي ظرف من الظروف، وبعد إستخدامه من قبل النظام السوري (خلال شهر آب/ أغسطس 2013)، إكتفى الرئيس الأميركي بعقد صفقة مع موسكو لسحبه من سوريا، بما صب في نهاية المطاف في خدمة حليفته إسرائيل، متغاضياً بعد ذلك عن إستمرار النظام بإستخدام كل أنواع القتل كالقصف الجوي والبراميل المتفجرة وسواها، وكأن القتل بالسلاح الكيماوي محظور فيما القتل بكل الأساليب الأخرى متاح ومباح!

طهران

​لقد كان لإصرار أوباما على عقد الصفقة مع طهران بأي ثمن نتائج في غاية السلبية على النزاع السوري المستعر منذ ما يزيد عن أربعة أعوام. فهو يعلم أن بإستطاعة إيران منع حليفها النظام السوري عن الاستمرار في قتل شعبه من خلال قصفه بالبراميل المتفجرة، ويعلم أن بإستطاعتها وضع حد للخسائر البشرية التي تسقط كل يوم في سوريا، ولكنه لم يشأ حتى التلويح بهذا الأمر حفاظاً على مسار المفاوضات الشاق في الملف النووي وبهدف إتاحة كل الفرص لإنجاحه.

ولم يكتفِ أوباما بذلك، بل إنه راسل المرشد الأعلى الإيراني في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 مؤكداً له أن الطائرات الأميركيّة لن تتعرض لحليفه السوري أثناء قصفها مواقع تنظيم “الدولة الإسلاميّة” وهذا ما حدث فعلاً إذ غالباً ما كانت المواقع الجغرافيّة متقاربة دون أن تتعرض تحصينات النظام لأي قصف أميركي الذي، للمفارقة، ساهم في تمدد التنظيم وليس تقليص قوته ومساحاته الجغرافية التي يسيطر عليها وهي مفارقة عسكرية غريبة!

​كم من أطفال سوريين كان بالإمكان إنقاذهم لو أن الإدارة الأميركية مارست الحد الأدنى من الضغط على إيران لمنع تحليق الطيران السوري أو وقف القصف بشكل أو بآخر، من دون الاجتياح البري الذي لم يكن مطروحاً أساساً ولم تفكر به واشنطن التي سارعت لسحب قواتها من العراق وأفغانستان على قاعدة “أنا ومن بعدي الطوفان”! وكم من مدينة وقرية سورية كان بالإمكان تلافي تدميرها وقد تحولت سوريا بأغلبها إلى ركام وحطام؟

​رهان الرئيس الأميركي على أن تشكّل الصفقة مع إيران مدخلاً لتغيير سلوكها في المنطقة سيصطدم بحائط مسدود. فالمشروع الإيراني يرتكز إلى عقيدة متجذرة لن يكون من السهل تعديلها إلا إذا نالت مقابلها مكتسبات هامة تصب في خدمة هذا المشروع. فعدا عن سباق التسلح النووي الذي قد تدخل فيه منطقة الشرق الأوسط بعد توقيع الاتفاق إستباقاً لإنقضاء مهلة السنوات العشر التي مُنحت لطهران، فإن الاتفاقية أقرّت بأن إيران ستدخل النادي النووي بعد سنوات، ولم تلامس مسألة نفوذها المتنامي في عددٍ من الساحات العربية. وهذا يؤكد أن الدول الكبرى تلهث حصراً خلف مصالحها، وتالياً العرب مدعوون للبحث عن مقارباتٍ جديدة لهذه التحديات المستجدة!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!