الاتفاق النووي.. نظريتان للتحليل

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

أخيراً، تم الاتفاق بين إيران ومجموعة دول الـ 5+1، وبالتحديد بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية. وفي معزل عن تفاصيل التقنيات النووية الإدارية والبرنامج التنفيذي والآليات، التي وعلى الرغم من أهميتها، فإن الجهد الأساس تركّز على الجانب السياسي وكيفية إعادة بناء الثقة بين إيران والآخرين وخصوصاً أميركا. ولا شك في أن الاتفاق سيخلق واقعاً سياسياً جديداً على مستوى العلاقات الدولية والوضع في منطقتنا. ولذلك ثمة نظريتان تُطرحان. الأولى تقول: إن الاتفاق سيكرّس موقع إيران دولة إقليمية قوية، ويعزّز وجودها، ويحافظ على مناطق نفوذها التي تتحكم بقرارها الآن، والثانية تقول: إن إيران إلى تراجع، ولن تقبل أميركا والغرب هذا التمدّد الإيراني والاستفادة من الاتفاق سياسياً ومالياً لتوسيعه!

سلفاً أقول كنت ولا أزال أكثر قناعة بالنظرية الأولى.. لماذا؟

1 – لم تأخذ إيران كل ما كانت تطمح إليه من الاتفاق. اضطرت إلى القبول به. ولكنها فرضت نفسها دولة إقليمية كبيرة حاضرة في أكثر من موقع ومتحركة في أكثر من اتجاه، وذلك بعد ثلاثين سنة من العقوبات.

2 – يجري الحديث عن مستقبل المنطقة ككل من منظور هذا الاتفاق، وما تعيشه الساحات العربية من حروب وتطورات، والحاضر الوحيد فعلياً هو اسرائيل، أما الغائب الأكبر فهم العرب. وتركيا اليوم أضعف مما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة وتعيش أزمات كثيرة.

3 – من الطبيعي أن يذهب الفريقان الأساسيان المتفقان إلى ترجمة واستثمار اتفاقهما. يعني لم توقّع أميركا الاتفاق، ولم تتحمّل إدارتها كل هذا التعب والعناء والمواجهة مع إسرائيل وغيرها، لتوقع اتفاقاً تذهب دول أخرى لاستثماره، لذلك ستكون الحصة الأكبر من المليارات التي سيفرج عنها لمصلحة إيران في صندوق الاستثمار الأميركي، وستوزّع حصصاً صغيرة على الآخرين! نحن أمام بلد كبير سيُعاد بناؤه من جديد، وستكون أميركا الحاضر الأكبر في العملية. وهذا سيرسي ثقة وتعاوناً ويفتح آفاقاً جديدة، وستأخذ هذه العملية وقتها.

4 – في رسالة أوباما إلى خامنئي منذ أشهر طرحٌ واضحٌ: «نتفق على النووي، فنذهب إلى شراكة في مواجهة داعش والإرهاب»!، وهذه نقطة مهمة ومركزية بالنسبة إلى إيران تؤكد وجهة نظرها في الإرهاب الموجود عند غيرها، وليس في بيئتها – يعني عند السنة – وهي دولة متضررة منه، وتريد مواجهته وقادرة على ذلك ومستعدة للتعاون. وفي فيينا أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تصريحات لافتة. «نحن أقرب ما نكون إلى اتفاق. لنذهب بعده إلى التعاون في ملفات مهمة أبرزها مواجهة التطرف والإرهاب»! عملياً نحن دخلنا في هذه المرحلة وسنكون أمام شراكة حقيقية بين «الشيطان الأكبر» – أميركا – وقائدة «محور الشر» – إيران – في مواجهة الإرهاب. سيكون لذلك نتائج وانعكاسات سياسية وأمنية على الأرض. وبالتالي لن تكون مواجهات مع إيران بل شراكة، آخذين في عين الاعتبار خصوصيات كل ساحة من الساحات. وفي مرحلة تأسيس الشراكة قد تقع خلافات حول الآليات والأولويات والاستراتيجيات، وستحاول إيران عدم التخلي عن طموحاتها وأحلامها وأطماعها، وتثبيت نفوذها وتوسيعه، وستحاول أميركا وضع حدود لذلك! قد نواجه صدمات ونرى صدامات، لكن في إطار تثبيت الشراكة.

5 – سيذهب العرب إلى مزيد من التسلّح. والدخول في النووي، سيهدرون الكثير من المال ولن يتمكنوا من الحصول على النووي. «خوفاً» من السيطرة عليه من المتطرفين – المبرّر الأميركي الجاهز- وسترهن ثرواتهم، وفي السياسة، تحولت ديارهم إلى ساحات مواجهة، ويتشارك فيها الإيراني والأميركي.

6 – لن تتوقف إسرائيل عن ابتزاز العالم تحت عنوان «الضمانات الأمنية والاستراتيجية»، وسيكون تجاوب معها! لذلك يجب أن تبقى الأنظار شاخصة إلى فلسطين، حيث ستكون أمام صراعات كبيرة بين الفلسطينيين للأسف تحت عنوان مواجهة الإرهاب واستغلال إسرائيلي لذلك، وتشدّد ومزيد من التوسّع!

7 – ينبغي التطلع إلى خارج حدود المنطقة، وبالتحديد إلى روسيا! الهدف الأميركي المقبل.

8 – هل يعني ذلك أن إيران خرجت منتصرة؟ نسبياً ربحت كثيراً. مرحلة الشراكة مع أميركا، والغرب عموماً ستأخذ وقتها. لكن على المدى البعيد ستشهد تغييرات وأحداثاً كثيرة ينبغي رصدها بدقة «فلا يدوم إلا وجه ربك الأكرم»!

بالإمكان القول: نجحت النظرية التي أشرت إليها سابقاً «إيران منضبطة، إسرائيل آمنة ومستقرة». وهذه نتائج ليالي الأنس في فيينا بين«الشيطان الأكبر» و«محور الشر». إنها قراءة سريعة أولية يمكن تفصيلها في كل ساحة من ساحات المنطقة!