هل بالشلل ولعبة الشارع تتحقق مصالح المسيحيين في لبنان؟

بعيدا عن تطورات المنطقة وأهوالها لا يزال لبنان غارقا في أزماته الداخلية التي هي بمعظمها مرتبطة بالأهواء والمزايدات الشعبوية لفريق سياسي يريد نسف النظام السياسي وأخذ البلاد نحو المجهول من خلال استمرار الفراغ الرئاسي وتعطيل الحكومة والمجلس النيابي وشن الحملات الشعواء تارة على الجيش اللبناني وتارة أخرى على قوى الأمن الداخلي من أجل أن يصل زعيم هذا الفريق السياسي رئيسا للجمهورية إلى قصر بعبدا ومن أجل ترتيب مصالح ومناصب أصهاره وأقاربه في الدولة اللبنانية وأن كان هذا الأمر على حساب كل لبنان واللبنانيين وفي مقدمتهم المسيحيين الذين يدفعون الأثمان الباهظة جراء المغامرات العبثية التي يقودها هذا الفريق تحت شعار انا وأصهاري وعائلتي أو لا أحد وإن كان الثمن خراب البصرة فوق رؤوس الجميع.

إلى ذلك أكدت مصادر سياسية بارزة بأن التهديد بشل الحكومة والتلويح بمجهول لعبة الشارع خلف شعارات حماية حقوق المسحيين لم تعد تنطلي على أحد، كون هذه الشعارات لا تحمي أحد وتأخذ جميع اللبنانيين بمختلف مكوناتهم الاجتماعية نحو مزيد من الأزمات والخضات والخلافات والصراعات الداخلية في مرحلة تتطلب من الجميع الحكمة والعقل والهدوء في مقاربة الأمور بدل من الذهاب نحو العصبية ونكئ الجراح وصب الزيت على نيران الإنقسامات الطائفية والمذهبية في البلاد. مشددة بأن حماية حقوق المسيحيين لا تتحقق أبدا بهذه السلوكيات الغوغائية والشعارات الشعبوية الشخصانية والعائلية والحزبية و الفئوية التي سبق للمسيحيين وكل اللبنانيين أن دفعوا بسببها أثمان باهظة من أمنهم واستقرارهم ومستقبلهم، فحماية الحقوق المسيحيين تكون أولا بالنزول إلى المجلس النيابي في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيسا جديدا للجمهورية وفق الآلية الديمقراطية التي يحددها بكل وضوح الدستور لبناني.

المصادر أشارت نقلا عن معلومات دبلوماسية رفيعة في بيروت بأنه هناك مخاوف دبلوماسية جدية من مرحلة ما بعد تعطيل الحكومة السلامية وهي مرحلة سوف يواجه فيها لبنان مزيدا من التحديات الأمنية والسياسية ولكن من دون ضوابط محلية قادرة على الحد من تدهور الأوضاع المحلية المرتبطة عضويا بتدهور الأوضاع الإقليمية.مضيفة بأنه   في ظل فشل وتخبط السياسة الدولية في المنطقة فإن حل القضايا العالقة في لبنان لن يتحقق قبل حصول انفراجات على صعيد الوضع العراقي والسوري واليمني، وعلى اللبنانيين أن يتأقلموا مع حالة المراوحة و الانتظار خصوصا أن انفجار الوضع في لبنان لن يغير شيئا في الأولويات الدولية والإقليمية بحيث أنه وفي حال انزلاق الساحة اللبنانية نحو الفراغ المطبق والفوضى والفتنة في الشارع فأن هذا الوضع اللبناني المتفجر لن يتدخل أحد بشكل حاسم لإنهائه بل أن الجميع سوف يتمهل وينتظر وضع حد لهذا الانفجار اللبناني إلى حين حلحلة بقية الملفات الأكثر أهمية في المنطقة أي الملف العراقي والسوري واليمني، بحيث أن لبنان بوضعه الحالي الذي يحظى بالحد الأدنى من الأمن والاستقرار مقارنة بما يجري في محيطه وجواره أو في حال تدهور أوضاعه نحو آتون الحرب الداخلية فأنه في كلا الحالتين فأن اهتمام المجتمع الدولي لن يتغير بل سيبقى في أدنى سلم دائرة الاهتمام الدولية والإقليمية المنصبة على القضايا أهمية من الناحية الإستراتيجية على مستقبل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

وضمن إطار التأكيد على ضرورة استمرار عمل الحكومة ورفض تعطيل انتاجية جلستها نظرا لعواقب هذا التعطيل على مصالح البلاد والعباد الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية ، نقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري لصحيفة “الجمهورية” عنه قوله رداً على سؤال عن تحرك رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون ان “عون إبن النظام ولا اعتقد أنه سيُفرّط به”.

بدروها أكدت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام أن “دعوته الحكومة الى الإنعقاد يوم الخميس تندرج في خانة حقه الدستوري دون ان تحمل خطوته تحديا لرئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون الذي يريد ان يختزل عمل الحكومة وفق حساباته”.وأشارت المصادر الى أن “ما شهدته الجلسة وما استتبعه من دعوة لاجتماع حكومي، يمكن الاعتراض عليه من جانب عون وفق السبيل التي نص عليها الدستور، لكون البلاد امام عدة استحقاقات مالية تملي على مجلس النواب البت فيها وسبق ان عرضها وزير المالية علي حسن خليل بأسهاب في محطات عدة”، لافتة الى أنه “اذا كان عون يعتبر ان ثمة خللا حصل، فهو ليس المرجع النهائى للبت في الاشكاليات وفق ما يريده هو، وباستطاعته ان يتخذ من خلال وزراء تكتله وحليفه “حزب الله” القرارات المناسبة تحت سقف العمل الحكومي وتسيير مسار البلاد”.

من جهته، رأى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي امام زواره في طرابلس ان “دعوة رئيس الحكومة تمام سلام مجلس الوزراء الى الانعقاد امر طبيعي انطلاقا من احكام الدستور التي تعطيه الحق في دعوة مجلس الوزراء ووضع جدول الاعمال”. ورأى انه “لو كان الموقف المسيحي الرافض واحدا داخل مجلس الوزراء، عندها يمكن الحديث عن ميثاقية القرارات، لكن في ظل الواقع الراهن للمواقف فلا اعتقد ان هناك موجبا لتعطيل مجلس الوزراء”.وشدد على” انه يجب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب ليأخذ دوره كاملا”، مبديا ثقته “بأن وانا الرئيس نبيه بري سيعالج بحكمة موضوع جدول اعمال الجلسة وسيطرح المشاريع والقوانين الضرورية لتسيير شؤون الدولة ومنها القروض والهبات الخارجية التي يجب التصديق على قوانينها والا ذهبت الى دول اخرى” .

وأكد ان “انتخاب رئيس جديد للبنان هو الاساس لاعادة انتظام الحياة الدستورية في لبنان، اما في شأن تفاصيل النقاش الدائر حاليا فالدستور نص في مادته السابعة عشرة على ان السلطة الاجرائية تناط بمجلس الوزراء، فيما حددت المادة الخامسة والستون آلية عمل مجلس الوزراء. ومع الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية انتقلت صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء مجتمعا ، لكن هذا الامر لا يعني الغاء الصلاحيات الاساسية التي نص عليها الدستور ومنها آلية عمل السلطة الاجرائية المناطة بمجلس الوزراء وصلاحيات رئيس الحكومة”.

كما أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس رغبة الرئيس سلام في عدم خروج أي مكون من القوى السياسية من الحكومة، لافتاً الى “ان الحكومة تعمل على تسيير دفة البلد في ظل ايقاف عملها…”. وعن تهديدات عون باحتمال تفجير الوضع الحكومي، قال درباس، “كل انفجار سياسي له وسائل مواجهة، ومصير الجمهورية مطروح على بساط البحث ولم يعلن أحد من حلفاء التيار “الحر” أنه سيجاريه في قراره التصعيدي…”. وعن التهديد بالنزول الى الشارع قال: “غير مقبول… وكل القوى لديها شارعها…” لافتاً الى “ان العودة الى الشارع غير مجدية…”.

وتوقف رئيس “المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار” سمير فرنجية عند الكلام الذي قاله الجنرال عون بأن علينا ان نتحد لمواجهة التحولات فنختار منها ما نريده قبل ان يفرض علينا ما يريده الآخرون، وقال “إنه كلام مهم فليرجع الى هذا الكلام وعندها من المؤكد اننا يجب ان نتحاور معه فنتفق بيننا على مواجهة التحولات”. واعتبر رئيس المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار سمير فرنجية ان رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون وبوقوفه مع “حزب الله” عام 2005، أعطى فرصة للحزب ولسوريا من اجل “الاستمرار في تعطيل البلد، خصوصاً في مواجهة الاخطار التي تتهدده”.ورأى ان دعوة عون للمسيحيين من اجل النزول الى الشارع، تشكل خطراً على الدولة وعلى المسيحيين أنفسهم، خصوصاً وان رئيس الحكومة تمام سلام “هو الشخصية الاسلامية التي تضامنت مع المسيحيين”.وأكد ان الحفاظ على البلد يكون بإعادة إعطائه الدور وبالحفاظ على العيش المشترك، مشيراً الى ان مسألة تعيين قائد للجيش تعني كل اللبنانيين وليس المسيحيين فقط.

__________________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى