لا هوية دينية للإرهاب

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

مرعباً كان يوم «الجمعة الأسود» ( 26/6/2015) الذي نفذت فيه ثلاث عمليات إرهابية في كل من ليون – فرنسا، والكويت، وسوسة – تونس، ثم مصر لاحقاً «اغتيال النائب العام». في التخطيط والتنفيذ واختيار الساحات والأهداف. كان الأمر خطيراً. كأن المطلوب ألا يكون موقعاً هادئاً «الكويت»، وألا تكون تجربة ناجحة «تونس»، وألا يكون قبول أو رغبة بتجاوز ما حدث في موقع آخر «فرنسا» وأن يكون الرعب مسيطراً في كل مكان باسم الله والدين ولا أعتقد أن ثمة ديناً يقرّ مثل هذه الأعمال. ولذلك، ينبغي التعاطي مع هذا الخطر بطريقة مختلفة. ليس ثمة هوية دينية للإرهاب لنحاكم ديناً بحد ذاته أو أتباع دين بالجملة!

قبل هذه العمليات تكرّرت العمليات الإرهابية ضد السود في الولايات المتحدة الأميركية وحصدت عشرات الضحايا. وأعادت الى دوائر النقاش مسألة العنصرية وطبيعة النظام الأميركي. ودار نقاش واسع حول تصنيف العمليات وكان ما يشبه الإجماع أنها عمليات إرهابية بما للكلمة من معنى! وقبل أميركا حصلت عمليات في السويد ضد مواطنين من طوائف مختلفة. فكيف إذا جئنا إلى إسرائيل دولة الإرهاب المنظـّم وآلية القتل المتواصلة ضد الفلسطينيين؟ وإذا أضفنا الممارسات الإرهابية من قبل بقايا أنظمة الاستبداد والقهر والظلم، ما هو معروف عنها مرعب، وما هو غير معروف مرعب أكثر! لذلك ومع تركيز جهات كثيرة تنفذ مثل هذه العمليات، وجهات أخرى تقرأها وتتابعها، على اعتبارها عمليات دفاع عن دين أو قيم أو تعاليم، فإن المواجهة يجب أن تنطلق من هذه النقطة لدحضها وليس بتبنيها والعمل على مواجهتها بالمنطق ذاته. عندما نرى شمولية الإرهاب وتنوّع انتماء داعميه، وتنوّع الأهداف نجد أنفسنا أمام حالة غير محصورة في إطار ديني ضيّق فقط، وهذا ما يجب التنبّه إليه. فعندما يكون مسلمون ضحايا عمليات إرهابية فهذا ليس خدمة للإسلام. وعندما يكون الضحايا من السود فهذا ليس خدمة للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. وعندما يكون الضحايا من عرق معين أو قومية معينة فهذا ليس خدمة للإنسانية أو الوحدة الوطنية أو أي رسالة من الرسالات السماوية. المنفذون ينتمون إلى جهات مختلفة والضحايا كذلك. من هنا الشجاعة في القراءة الصحيحة للحالة التي نواجهها كبشرية عموماً، أو كجيل وربما أجيال مقبلة. والشجاعة الأكبر في المواجهة العقلانية الجماعية المدروسة، أي عمل أو ردّ فعل غير مدروس أو من باب المكايدة، وأي إهمال وتردّد في المواجهة، يؤدي الى تمدّد هذه الحالة.

في هذا السياق ينبغي التوقف عند ما قامت به حكومة تونس، تونس الجريحة التي أعطتنا أملاً في المحافظة على قيم وتراث المدرسة البورقيبية وما سبقها في بعض النواحي، وإنجازات الثورة الأخيرة وما تلاها، من تقديم لأولوية الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية بعد سلسلة من الأخطار كادت تهدّد الثورة وتدفع البلاد إلى الحرب الأهلية أن تقدم الحكومة على إقفال 80 مسجداً فتلك خطوة سابقة، نعم سابقة. وسابقة متقدمة وخطيرة في آن معاً، أن تقفل مسجداً واحداً فهذا أمر يثير نزعات ونزاعات وتحديات كثيرة. فكيف إذا أقفلت 80 مسجداً؟ خطوة فيها الكثير من التجرّؤ وليس الجرأة فقط. وفيها الكثير من الاندفاع وليس الدفع فقط في المواجهة مع الحالة المذكورة. ولا أعتقد أن ثمة دولة غير تونس حصل فيها شيء من هذا القبيل. وعندما ترى مثل هذه الخطوة والتفاعل الشعبي معها عموماً تشعر بكثير من التحدي والمسؤولية في المواجهة التي لا تقف بالتأكيد عند حدود هذه الخطوة التي يجب أن تكون في إطار مشروع ثقافي فكري سياسي اقتصادي اجتماعي تربوي إعلامي تنموي متكامل يعطي للمواجهة بعدها الإنساني الشامل. هذه الخطوة تؤكد أنه لا الإسلام ولا العرب، كدين أو كجماعة أو كأمة هم في خانة الاتهام، إنهم في طليعة الإقدام. وهذا ما ينبغي العمل عليه في مواجهة الهجمة الإسرائيلية الغربية المتطرفة والشريكة في الإرهاب أو في إنتاجه أو التسبب به!

فإلى مزيد من الخطوات ومن العمل الجماعي الإنساني كل منا في بيئته ووطنه ومنطقته ومجال عمله. المسيرة شاقة وطويلة لكنها تستحق المعاناة إنقاذاً للبشرية كلها في بداية هذا القرن.