لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!

رامي الريس (مجلة الخليج)

مع ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي بالتوازي مع فتح المزيد من الجبهات واشتعال المزيد من النيران، تتضاعف مستويات القلق في لبنان من انتقال هذه الحروب والنزاعات الى أرضه التي كانت دائماً خصبة لتلقف الصراعات الإقليمية وتصفيتها كما كانت دائمة مؤهلة لأن تتحوّل ساحة لاقتتال القوى الدولية منذ حقبة الحرب الباردة.
وغالباً ما يفاقم هذا الشعور بالقلق عند اللبنانيين هو هشاشة النظام السياسي اللبناني الذي لم ينجح منذ نيل هذا البلد الصغير استقلاله الوطني سنة 1943 في إنتاج صيغة المشاركة السياسية الحقيقية التي شوهتها الطائفية السياسية فولدت التمايزات بين المواطنين ونصبت الحواجز بينهم وبين دولتهم فوسعت الهوة السحيقة التي تميز تلك العلاقة، وأجّج هذا الاتجاه هو تحوّل صراعات اللبنانين إلى نزاعاتٍ مسلحة كانت تغذيها أطراف إقليمية ودولية تستفيد من النفخ في تلك النار المشتعلة.
وأتت التسوية العربية – الدولية في إتفاق الطائف عام 1989 لتعيد توزيع الصلاحيات السياسية فنقلت عدداً من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً كشكل من أشكال التعبير عن المشاركة الجماعية في إدارة البلاد وهي تجربة تعرّضت لتشويه كبير في الممارسة لاحقاً بعد أن حوّلت بعض الأطراف السياسية حقها بالمشاركة في السلطة إلى حق بتعطيلها من خلال ممارسة حق النقض (الفيتو) على القرارات التي لا تتلاءم مع مصالحها!
لكن على الرغم من تلك العثرات التنفيذية الكبرى التي اعترضت تنفيذ “الطائف” فضلاً عن التطبيق الانتقائي لبعض بنوده دون سواها، فإن ذلك لا يلغي أن هذه الوثيقة التي توصل إليها اللبنانيون بدعمٍ كبيرٍ من من المملكة العربية السعودية، جاءت لتحسم ثلاث قضايا جوهرية ومركزية كانت موضع نزاع دائم بين اللبنانيين وهي: نهائية الكيان اللبناني وعروبته وصيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بصرف النظر عن الاعتبارات الديموغرافية والنمو السكاني.
والنقطة الثالثة تكتسبُ في ظل الظروف الراهنة أهمية استثنائية وإضافية لأنها تعكس في لحظة الإشتعال المذهبي الإقليمي أن لبنان، رغم هشاشة نظامه السياسي وعثراته العديدة، يستطيع أن يشكل نموذجاً بات فريداً في التلاقي بين الأديان والطوائف والمذاهب. وهذا الاعتبار كان من المفترض أن يكون دافعاً بحد ذاته للقوى السياسية اللبنانية لتترفع عن خلافاتها الفئوية الضيقة لتمرير هذه المرحلة الصعبة.
لقد مضى على الفراغ الرئاسي في لبنان أكثر من سنة، في الوقت الذي تمارس فيه بعض القوى السياسية رفاهية غير مسبوقة في تعاطيها مع هذا الاستحقاق دون الأخذ في الإعتبار مخاطر إستمرار التعثر المؤسساتي والدستوري والانعكاسات الخطيرة لذلك على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد بيّن الانسداد الإقليمي في ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية، كما توزُّع خارطة القوى السياسية في المجلس النيابي اللبناني أنه لا مفر من إنتاج تسوية رئاسية طالما أن أي من الفريقين الكبيرين 8 و 14 آذار لا يملك أي منهما القدرة الآحادية على انتخاب الرئيس.
وإنضاج فكرة التسوية الرئاسية لا يزال بعيداً في ظل المساعي العربية والدولية الذي لا تزال خجولة بشكلٍ عام في هذا المجال باستثناء التحرّك المحدود والمتقطع الذي تقوم به باريس من خلال مبعوثها الذي زار بيروت مرات عديدة وأجرى جولة اتصالات سياسية واسعة لم تصل الى خلاصاتٍ مثمرة.
هذا الانسداد مرده بشكل أساسي إلى استمرار السقوف المرتفعة في المواقف والترشيحات لا سيما مع إصرار كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في ترشيحهما للرئاسة، علماً أن ورقة “إعلان النوايا” التي كانا قد توصلا إليها لم تلامس الملف الرئاسي ما يبقي هذا اﻷمر في دائرة المراوحة، ﻻ سيما مع ارتفاع الكلام السياسي والشعبوي بعض الشيء عن أهمية اﻻتفاق المسيحي- المسيحي حول شخصية الرئيس العتيد، وهو الأمر المتعذر كما دلت المؤشرات، في حين أن لهذا المنصب أبعاد وطنية ﻻ يمكن التعاطي معها دون إغفال أهمية الحيثية المسيحية التي يفترض أن يتمتع بها أي رئيس.
في لبنان، هناك شغور في سدة الرئاسة وهناك تعطيل للسلطة التشريعية مع رفض بعض القوى السياسية عقد جلسة للمجلس النيابي قبل انتخاب رئيس بحجة أن المجلس يتحول إلى هيئة ناخبة وليس تشريعية في ظل الشغور الرئاسي، أما الحكومة فهي معرضة للتعطيل مع إصرار القوى ذاتها التي تعطل إنتخاب الرئيس على إقرار بند التعيينات الأمنية قبل أي بند آخر.
مهما يكن من أمر، فإن لبنان معرّض للكثير من المخاطر، والدليل هو الجهد الاستثنائي الذي يبذله الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية لكشف الشبكات الإرهابية التي تخطط لضرب الإستقرار في لبنان. ولكن ما لم تحصل “معجزة” ما تتيح تغيير الواقع القائم، فإن الظروف ستتجه نحو المزيد من التعقيد والانكشاف السياسي والأمني!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال