استراتيجيا أخرى لمحاربة الإرهاب

راجح الخوري (الأنوار)

اذا كانت دولة قوية مثل فرنسا قد إتخذت أقصى الإجراءات الأمنية الممكنة بعد هجوم الاخوين كواتشي على صحيفة “شارلي إيبدو” في كانون الثاني الماضي كما يقول وزير داخليتها برنار كازنوف، وإستطاع الإرهابي ياسين صالحي ان يذهب الى مديره في منشأة الغاز فيختطفه ويقتله ثم يعلّق رأسه الى جانب علم “داعش” ويلتقط له صورة سلفي ويرسلها الى سوريا عبر كندا بغرض التمويه، فإن ذلك يقرع جرس الإنذار في وجه دول كثيرة كبيرة وصغيرة ضعيفة وقوية .

لم يكن صالحي في نظر عارفيه متطرفاً، وقد نشرت له صور وهو يرقص كأي شاب فرنسي، لكنه تحوّل فجأة وحشاً وقاتلاً بربرياً لا يطلق النار على مديره بل يقطع رأسه ويعلقه على السياج مفاخراً. ولهذا لا يكفي ان ترتفع مخاوف الفرنسيين من الارهابيين الـ 217 ارهابياً الذين كانوا قد التحقوا بـ”داعش” وعادوا الى فرنسا كقنابل موقوتة، لأن هناك الكثيرين ممن لم يذهبوا الى “داعش” يمكنهم ان يخرجوا ببساطة الى الشارع ويبدأوا إطلاق النار على المارة.
هل فرنسا وحدها التي تواجه هذه الإحتمالات المجنونة والقاتلة؟ طبعاً لا. كل الدول تقريباً تواجه أخطار بربرية الارهاب، واذا تذكرنا البيانات التي أكدت ان هناك شباناً وفتيات من مئة بلد إلتحقوا بـ”داعش”، فذلك يعني ان العالم كله معرض لخطر العمليات الإرهابية المريعة .
ولكن في مواجهة هذا التحدي المجنون وغير المسبوق ليست هناك إستراتيجيا دولية واعية مخططة ومدركة وحازمة، تواجه الإرهاب الذي يأخذ شكلاً تصاعدياً ويتوسّع يطريقة مخيفة، إذ يكفي ان نفتح الخرائط وان نضع دبابيس حمرا على الأمكنة التي ضرب فيها العام الماضي مثلاً لكي نصاب بالذعر.
الصحف البريطانية التي إجتاحتها اخبار جثامين الضحايا البريطانيين الذي قتلوا في منتجع سوسة، أجمعت على انه ليس في وسع أي دولة ان تواحه الإرهاب وحدها، بما يعني ان المطلوب تحرك دولي مختلف وليس على طريقة الائتلاف الدولي، الذي يقول جون ماكين إن طائراته التي تنطلق لضرب “داعش” غالباً ما تعود دون ان تلقي حمولتها، بما يوحي ربما ان وراء جدران السياسة الأميركية خططاً تستثمر في “داعش”، فليس قليلاً دفع الاسلام الى التقاتل وهي المؤامرة التي طالما كانت البوابة الوحيدة لتفتيت المنطقة وإمتصاص مواردها على السلاح والتسلح .
في واشنطن يتحدثون عن تعديل في إستراتيجيا محاربة الإرهاب، لكنه حديث مسخرة طبعاً، وفي روسيا يبحثون عن وسيلة لتعويم الاسد وتلك مسخرة ثانية. واذا كان الشرق الاوسط ساحة تفيض بالجثث والدماء، فإن شمال إفريقيا مرجل يغلي بالإنتحاريين من سيناء التي كانت امس مسرحاً لمذبحة مروعة، الى الجزائر حيث جمر الإرهاب تحت الرماد الساخن، مروراً بليبيا المشتعلة وبتونس حيث تلتهم النار ما تبقى من الياسمين!