الموصل: سنة أولى داعش

د. قصي الحسين

يفترض بأهل السياسة وأهل القيادة وأهل الفكر والرأي أنهم أخذوا العلم، بأن داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، قد بلغ عامه الأول في حكم دولة تبلغ مساحتها ثلثي البلاد وأن عدد سكانها يتجاوز الستة ملايين نسمة، وأنها اتخذت من مدينة الموصل التاريخية والاستراتيجية، عاصمة لها، وأنه مضى عام بعجره وبجره على تأسيس أول خلافة إسلامية في مطلع الألفية الثالثة، وأن أبا بكر البغدادي هو أول خليفة للمسلمين، وقد كان ليبقى لا ليرحل.

وليس المطلوب منا أن نصدق ذلك أو نكذبه، بل أن نشهد وقائعه على الأرض. فإذا ما كان الهدف المنشود لدولة الخلافة، لا يزال بعيداً، فإن ما يجري أمام الأعين، إنما يشير إلى أن الدولة متماسكة إلى حد بعيد، وأن أرضها غدت داراً جاذبة للهجرة، يتوجه إليها الشباب للالتحاق بالدعوة، بأعداد غير مسبوقة، من كل بلاد العالم بدون استثناء. وهذا ما لم يحصل، لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث. وهم وإن كانوا من أمم شتى، فإنما هدفهم واحد: القتال والشهادة في ظل “يوتوبيا” الخلافة الإسلامية.

وتدير داعش اليوم حياة أكثر من عشرة ملايين نسمة. وهم يتزوجون ويطلقون ويبيعون ويشترون ويتحاكمون، وفق قضائها الشرعي. وأبناؤهم إنما يتعلمون بمناهج وضعتها قطاعات التربية والتعليم في داعش. ويخرج المسافرون منها إلى العالم بوثائق أصدرتها، فتقبل في جميع دوائر الأمن العام في كل الدول. أما عملتهم التي صكوها، فهي متداولة فيما بينهم ونحن نراها اليوم تستدعي الشباب للهجرة إليها وتتمدد إلى الرمادي في العراق وإلى تدمر في سورية وتقترب من بغداد ومن دمشق بخطى حثيثة، تحت أنظار العالم، وتحت أنظار التحالف وطائراته وأجهزة راداراته وأقماره الاصطناعية، دون أن يترك ذلك أي خلل في بنيتها، ودون أن يتسبب لها ذلك بأي خوف أو حذر أو وجل.

islamic-45

وإذا كانت أية دولة في العالم لم تجرؤ على الاعتراف بداعش، فإن داعش بالمماثل ترفض جميع الدول وتتقاطع معها، دون أن تقاطعها في علاقاتها التبادلية على صعيد التجارة المدنية والعسكرية وعلى صعيد المعلومات الاستخباراتية، وعلى صعيد حجز الرهائن وذبح الجواسيس والخونة وفك الأسرى وعتق الرقاب وفق الشريعة الإسلامية.

وتمارس داعش الإرهاب في جميع أنحاء الربيع العربي بلا استثناء وفي جميع الأماكن التي تتواجد فيها خلايا يقظة أو نائمة من داعش. وهي تعمل على دب الرعب والفوضى في صفوف أعدائها من أنظمة وحكام وفق استراتيجية أولوياتها، وساعة ترى في ذلك حاجة أو ضرورة، دون أن يصعب عليها ضرب الدول المستقرة مثل السعودية أو تونس، أو غير المستقرة مثل ليبيا وتونس واليمن والصومال لأن هدفها هو إدارة التوحش والفوضى لتتمكن بعد ذلك من التمرد.

ويتماهى النظام السوري مع داعش، وقد جعل منها عدواً وهمياً، للتعمية على عدوه الحقيقي وهو الثورة السورية. وهو يجد في مشروع دولة داعش، مبرراً لوجوده، وحربه على الثورة، زاعماً أنه يحارب التكفيريين. وهو خطاب الايرانيين نفسه وخطاب حزب الله نفسه لأجل أخذ سورية والاحتفاظ بها كحديقة عربية خلفية لهم يناورون عليها في الملف النووي أو في الملف اليمني أو في غيره من الملفات الساخنة. وربما يمهد ذلك لعمليات الترانسفير المرتقبة من وإلى سورية.

وداعش في العراق غيرها في سورية، حيث تصعب هزيمتها هنا بحرب، وربما يستحيل ذلك ما لم يهدم في العراق السني ما لم يهدم بعد. والحملة على داعش والحشد عليها في العراق يجعل منها أقوى. والاستسلام لمواجهتها بأقبح مشاعر الطائفية والتعصب والكراهية، لمما يجعلها باقية لا زائلة، آخذة في التمدد لا في الانكماش. وقد بات الأفضل للعالم أن يحاصر داعش بدل أن يقاتلها ويحمل عليها.

الموصل سنة أولى داعش، كل عام وأنتم بخير. فهل توسعت داعش، دون تسهيل من النظام السوري في سورية. وهل احتلت الموصل وتمددت في العراق دون تشجيع أو تسهيل أو تمهيد من حكومات بغداد. وهل حقاً أن الأميركيين لا يجدون لداعش حلا بالقوة. وهل علينا أن نصدق ذلك وهم الذين أطاحوا بأقوى نظام حديدي في العالم وضربوا رأس زعيمه بين ليلة وضحاها صبيحة عيد الأضحى العام 2003 في بغداد.

سنة أولى داعش، كل مذبحة وأنتم بخير.

——————————–

(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث