ما هي الاعتبارات التي أملت توجيه الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء؟

بعيدا عن البراكين الإقليمية المشتعلة من كل حدب وصوب، لا تزال الدعوة التي وجهها الرئيس تمام سلام إلى مجلس الوزراء للانعقاد يوم الخميس ترخي بأثقالها الإيجابية على الجو السياسي العام في البلاد ،خصوصا أن هناك معلومات متداولة في أروقة الكواليس السياسية تؤكد بأن جلسة مجلس الوزراء سوف تمهد لبت طلب انعقاد دورة استثنائية وعقد جلسات للمجلس النيابي لإقرار مشاريع واقتراحات قوانين مهمة ومتراكمة.

وفي هذا السياق، أكدت أوساط سياسية بأن دعوة مجلس الوزراء أملتها جملة اعتبارات وطنية بعيدة عن بازار المزايدات الشعبوية التي يغرق بها البعض لإعتبارات آنية، مضيفة بأن هذه الإعتبارات الوطنية تأخذ في عين الاعتبار بأن دعوة الحكومة إلى الانعقاد أملىتها ضرورات تنشيط عمل المؤسسات والمرافق العامة للدولة لم تعد تحتمل مزيدا من التعطيل والفراغ الذي ينعكس بعواقبه الشديدة السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للناس التي لم تعد تحتمل بدورها مزيدا من الأزمات والخضات في ظل تمادي حالة الشغور الرئاسي، كما أملتها ضرورات تحصين الوضع الداخلي في مواجهة ارتدادات الأزمات الخارجية الملتهبة خصوصا في المحيط والجوار.

الأوساط حذرت من السجالات والمناكفات المستعرة بين مكونات الحكومة السلامية خصوصا أن مثل هذه السجالات والمناكفات قد تؤدي في مكان ما إلى تفجير هذه الحكومة واسقاطها، وهذا سيناريو خطير من شأن حصوله أن يأخذ لبنان نحو مجهول قاتم تتحكم بمجرياته الخطيرة حالة الفراغ المطبق في السلطة التنفيذية التي ستضاف إلى حالة الفراغ المكبلة في العجز على انجاز الإستحقاق الرئاسي وهذا الوضع بطبيعة الحال من شأنه أن يضعف الحاضنة السياسية الحكومية الداعمة للجيش اللبناني وسائر الأجهزة الأمنية في جهودهم الحثيثة لمواجهة التحديات الأمنية الداهمة على الساحة اللبنانية التي لا يجوز خلف أي عنوان تركها فريسة لمجهول الفراغ .

وتتابع بأن هذا المجهول القاتم الذي قد يقع به البلد في حال تطيير الحكومة السلامية سوف تتحكم بمجرياته الصعبة والخطيرة التهديدات الخارجية المتأتية من احتمالات تعثر الملف النووي الإيراني وغيره من الملفات الإقليمية الساخنة كالملف السوري وتطوراته العسكرية المتسارعة لمصلحة المعارضة السورية، ما يعني أن لبقاء الحكومة دور اساسي في هذه المرحلة لإيجاد مظلة أمنية وسياسية داخلية إضافية من شأنها أن تخفف انعكاسات حمم البراكين المشتعلة في محيط لبنان وجواره التي من المستحيل أن يبقى لبنان بمنأى كامل عن نيرانها الحارقة، إلا أن الأهم في بقاء الحكومة السلامية يكمن في أنه يسهل امكانية وقدرة الداخل اللبناني على إطفاء هذه الحرائق بأقل الأضرار الممكنة على أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك.

واذا كانت ملامح الحل الرئاسي تتظهر بعد تحديد مسار الحلول الإقليمية التي لا تزال غائبة عن المنطقة برمتها حتى اشعار آخر، فان اشارات حلول الازمتين الحكومية والتشريعية ستبدأ بالظهور اعتبارا من الخميس المقبل في خلال جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها الرئيس تمام سلام بعد انقطاع دام ثلاثة اسابيع ، استنفد خلالها والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط كل الجهود من اجل ارساء تسوية على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم” غير ان تمترس رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون خلف مطلب التعيينات الامنية اولا، نسف كل المساعي ودفع سلام الى توجيه الدعوة لجلسة حكومية تتنوع التوقعات حول سيناريوهاتها بين من يعتقد بانها ستشكل “الشعرة التي ستقصم ظهر البعير” وبين من يراهن على ان سلام لم يكن ليدعو اليها لو انه لم يجد مخرجا للازمة. وفي الانتظار فان الموقف الذي سيحدده العماد عون في اعقاب اجتماع تكتل التغيير والاصلاح من شأنه ان يضيء على طبيعة التوجه الذي ستسلكه الجلسة الحكومية الضرورية لاعادة تسيير شؤون الدولة في ظل الفراغ الرئاسي والشلل المجلسي والذي يبدو انه قد يتلاشى لتستعيد المؤسسة التشريعية بدورها زخمها في ضوء الاتجاه الى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب يوقع مرسومها الرئيس سلام و13 وزيرا.الا ان الانظار تتجه مجددا في هذا المجال الى رافضي التشريع في ظل الفراغ في سدة الرئاسة الاولى واولئك المشترطين ادراج مشاريع قوانين محددة لتأمين ميثاقية الجلسة لا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب.

وليس بعيدا من الملف الحكومي، قالت مصادر وزارية ان هناك 111 مرسوما عاديا يجب ان يوقعوا سريعا والا فان البلاد ستكون امام ازمة حقيقية لن يسلم من مفاعيلها وتداعياتها السلبية اي طرف او فريق سياسي خصوصا ان هذه المراسيم تتصل بشؤون متنوعة وليست محصورة بقطاع واحد، موضحة ان البحث جار عن آلية تنفيذية يمكن عبرها النفاد الى صيغة تؤمن اقرار هذه المراسيم ،في ضوء صيغة الاجماع الوزاري التي اتفق عليها مع بدء الشغور الرئاسي. وقالت المصادر ان من غير المسموح لاي وزير ان يتدخل في صلاحيات وزير آخر لفرض رأي او موقف او تعيين.

في غضون ذلك، لفتت الزيارة التي قامت بها الممثلة الخاصة للامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ الى منطقة عرسال برفقة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، حيث اطلعوا عن كثب على الواقع القائم وأحوال الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة. وكانت مناسبة أكدت فيها كاغ تقديرها “لقيادة الجيش ولجميع الشبان الذين يخدمون على الجبهات الأمامية”، معتبرة “أنهم يستحقون أكبر دعم ممكن منا”. كما بحثت المنسقة الخاصة مع وزير الدفاع وقائد الجيش في تطبيق الخطة لتنمية قدرات الجيش، وبخاصة الحاجات المستمرة التي تستلزم دعما دوليا…وتأتي زيارة كاغ لعرسال قبل إجتماع مجلس الأمن في 8 تموز المقبل الذي سيتناول الوضع في لبنان ككل في هذه المرحلة في إطار القرار 1701.

وعلى هذا الصعيد تجدر الإشارة بان الحكومة اللبنانية تلقت أمس كتابا من السلطات الكويتية أبلغتها فيه ان أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الاحمد الصباح، قرر التبرع بمبلغ اضافي لدعم لبنان،عبر الصندوق الكويتي للتنمية ، يضاف الى الهبة التي كانت تعهدت الكويت بتقديمها لمساعدة الدول المضيفة التي ترزح تحت ثقل النزوح السوري وعلى رأسها لبنان، وتبلغ قيمتها نصف مليون دولار أميركي. وستخصص الهبة الجديدة للمساهمة في تنفيذ عدد من المشاريع الانمائية التي تعنى في تطوير البنى التحتية.
_______________________
(*) – الافتتاحية – هشام يحيى