سقوط معادلة التعطيل قيامةٌ للدولة

الياس عطاالله (النهار)

يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، تتبدى القوى السياسية المكونة للسلطة بمظهر القوى العاجزة، العابثة بمصير الجمهورية وبمصير الوطن. صحيح أن الغالبية العظمى من الرأي العام اللبناني تحمّل “حزب الله” مسؤولية جر الوطن والدولة إلى هذه الهاوية و”حزب الله” يدرك ذلك، لذا اعتمد عبر قيادته ودعاته وإعلامه منطق التخوين والتحدي وسياسة “بلّطوا البحر”. والأكثرية الشعبية المتهمة لم تحظ حتى الآن بقيادة موثوق بها تترجم مشاعرها بحضور مادي مجتمعي سلمي يشكل تحدياً لمسار “حزب الله”.
و”حزب الله” الذي يستشعر حالة الإستياء الشعبي العارم تجاه سلوكه، غير الآبه بمصير الدولة، لن يعيد النظر في مساره، لأن منطقه في الأساس لا يعتبر الشعوب والأوطان مقدسات، فما هي إلا أدوات في مشروع أكبر، وما يفعله تجاه الشعب السوري والعراقي كافٍ أساساً لحكم يقيني تجاه خياراته. فهو غير آبه لأنه أسقط أولوية المصلحة الوطنية ومصير الدولة، وضحى بها على مذبح ايديولوجيته المستوردة من ايران، أيديولوجية الولي الفقيه وأولوية مصلحة بلاد فارس على مصلحة الدولة اللبنانية.
نحن أمام مشهد يمكن تظهيره بوضوح على الشكل الآتي:
– دولة في حالة تهالك متسارع – فراغ في موقع رئاسة الجمهورية – مجلس نواب مشلول كلياً – مجلس وزراء لا يستطيع أن يؤدي الحد الأدنى من دوره الخاص، فكيف يؤدي دور رئيس الجمهورية؟
– قوى سياسية كلّها ممثلة في السلطة أو ببعض مراتبها – وراي عام مضطهد مستغلّ وناقم، غير منتظم وتنقصه القيادة والأولويات نتيجة نأي مكونات السلطة بنفسها عن مجرد السعي لإيقاف الإنهيار.
اللوحة واضحة، هناك نظام لا يعمل وهذا واقع خطير، كونه يستدرج بقوة منطق دعوة المجتمع للعمل من خارج النظام – النظام لا يعمل فلنعمل من خارجه. وهذا الإغراء ربما يجد زبائنه من أصدقاء منطق وجود الدولة ودورها الضامن، وكذلك وبحماسة أقوى وجهد أكبر من قبل أعداء الدولة. الدولة لا تؤمن لنا الحماية، الأمن الذاتي هو البديل. الدولة فاسدة ولا تؤمن العدالة، فلنطالب بحقوقنا كلها وبكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة.
ان الواقع يفترض اليوم، وبحدة، وجود قادة رأي يتمتعون بعقلانية عالية وبجرأة مشهودة وبمصداقية أثبتتها الأيام ليحاولوا دعوة الناس إلى خيار خلاصيّ قائم على إسقاط معادلة التعطيل، إنه أولوية الأولويات وبعده تأتي القضايا المحقة.
إن صاحب نظرية هدم الدولة فرض علينا تنازلين يتشبث بهما بطريقة عمياء؛ وهما تحت نظرية نصاب الثلثين والثلث، وهذه ليست كلمات أو نسب هذا جوهر تعطيل الديموقراطية وتعطيل الدولة.
النصف زائداً واحداً – ينتخب رئيس مجلس نواب، ويعيّن حكومة ويكلّف رئيس حكومة. كل قوانين الدولة بـ”النصف زائداً واحداً”. أي جمهورية ديموقراطية تعيش على الأكثرية، وحده الناظم الأول للدولة والجمهورية يتطلب الثلثين زائداً واحداً هو الدستور.
بناءً عليه، ولعدم جدوى العودة إلى الوراء – وهذا الوراء المليء بالأخطار – بدون اي سند وبدون أي حقّ ورغم علم جهابذة التوافق والمجتمع المتعدد، لم يكن جائزاً قبول مبدأ الثلثين في انتخاب رئيس الجمهورية.
في كل الأحوال، في كل العالم هناك ما يعلو حتى على الدساتير وهو raison d’état، هذا المبدأ هو نقطة التقاطع بين الإرادة الشعبية وما تبقى من حرص لدى الفئة المؤمنة بدور الدولة في الطبقة السياسية. هذا المبدأ العالمي يتحرك ليحافظ على سبب وجود الدولة. ودعونا نعالج الموضوع بذرائعية كاملة. حين يتبنى “النصف زائداً واحداً” لانتخاب الرئيس، صدّقوني سيحضر الجميع لأن معادلة التعطيل تكون قد سقطت. وثانياً، كي نتجنب في هذه الظروف الخيارات الصافية أو الحادة في ظل الإنقسام السياسي القائم. لحسن الحظ، لدينا كتلة نيابية يرأسها قائد أثبت في أكثر من مناسبة حكمة كبيرة. عنيت به وليد جنبلاط، وهو ليس في هذا وحيداً. فوليد جنبلاط الذي يعالج قضية دروز سوريا بحكمة تجاوزت كل المنطق المجنون للأقليات، وكأنه يقول: هناك فئات قليلة العقل والوعي لأن الأقلية الواعية أذا استطعنا أن نرشدها لا تبقى أقلية. هذا الرجل يستحق اليوم وبالتنسيق مع من يجد صالحاً، وربما مع الجميع، أن يتعامل بحرص مع مسألة إعادة إنعاش الدولة بدءاً من رأسها وبالتدرج. أين وجد ميشال عون خلاصه؟ في دولة الطائف، المشوّه المزوّر … إلخ، أم خارجها؟ أنت الآن يا ميشال عون تعيش في ظل شبكة أمان واهية، ولكنها شبكة أمان إسمها دولة الطائف. تغيّر تصلّح تعدّل تربح تخسر من داخل النظام، و”حزب الله” يوماً، بعد أن يستنفد مغامراته الإقليمية ستنقذه هذه الدولة من نفسه، كما أنقذت كافة الميليشيات عام 1990 من نفسها. لست التجربة الأممية الوحيدة، قبلك تروتسكي وأقرانه، قبلك ماو، قبلك هتلر وستالين ونابوليون وكثرٌ من هذا الشرق الأوسطي بعثية كانت أو غيرها. عليك أن تعلن، وأنت شريك، في مؤسسات الدولة اللبنانية، يجب أن تعلن لبنان دولة أم قضية. عظام الدول تفرقع لتتحول قضايا مظلمة، وفلسطين تكافح لتتحول من قضية إلى دولة.
أخبرنا، لبنان – الدولة اللبنانية، أنت إبنها أم جلاّدها؟