«المسألة الدرزية»: تقاطع مصالح إيراني ـ إسرائيلي

د. بهاء أبو كروم (المستقبل)

كثر الحديث مؤخراً عن «المسألة الدرزية» حيث تظهر الوقائع أن هناك حراكاً يخوضه الموحدون الدروز لناحية التفاعل مع المخاطر التي يتعرضون لها، وهناك نقاش داخلي يبرز في مجتمعهم ويتعلّق بالخيارات الواجب اتخاذها في سبيل البقاء أو حماية وجودهم، وهذا النقاش يُطرح حالياً على مستوى الإقليم ولا يقتصر فقط على أبناء الطائفة في سوريا. وإذا ما لاحظنا أن انخراط الدروز مؤخراً في تحديد الدور المطلوب منهم هو إشارة الى بلوغ الثورة في سوريا مرحلتها الحاسمة، إذ ذاك يبدو أن الطرق الاسهل والأنسب إليهم تكمن في الانضمام إلى الثورة السورية واختصار المسافة الفاصلة عن سقوط الأسد، وهذا ربما يوفر عليهم الكثير من التضحيات ويعيد اللحمة بين أطياف الشعب السوري ويؤسّس لسوريا واحدة في المستقبل، لكن دون هذا التفاؤل الكثير من العقبات ودونه أيضاً مسار طويل من الاشتغال الذي قام به نظام الأسد وأتباعه على هذا الملف.

أجل، الدروز قلقون مما يحمله لهم المستقبل وهناك مبررات حقيقية تقف وراء ذلك وباتوا يتفاعلون مع الأحداث الجارية في محافظتي القنيطرة والسويداء دقيقة بدقيقة، منهم من أخذه الشطط إلى درجة الإشادة بحادثة مجدل شمس المخجلة، في حين لا يمكن إخفاء حقيقة بروز استثارة للمشاعر أعقبت الأحداث الأليمة التي حصلت في قلب لوزة بشكل ربما مبالغ فيه، ترافقت مع دعوات إلى الحماية الذاتية بطرق ووسائل مختلفة. باختصار هذه واحدة من شروط التكور على الذات في ظل محيط متحرك ليس بالإمكان استشراف مستقبله، وهذه واحدة من الخاصيات التي عادةً ما تبالغ الأقليات في التعامل معها، وبالتالي فطائفة الموحدين الدروز في المنطقة تبحث عن مخارج لأزمة تضرب كل فئات المجتمع بنسب متفاوتة ولن يكون الدروز بمنأى عن دفع كلفة ما في هذا الصدد، فهم جزء من الشعب السوري الذي قدم مئات آلاف الضحايا وملايين النازحين في حرب معروف من جرّ البلاد إليها. لكن هل يرقى كل ذلك إلى أن يشكل «مسألة درزية»، وهل يمكن أن نتحدث عن قضية تعني الدروز لوحدهم بمعزل عن المعاناة التي تتعرض لها كل فئات الشعب السوري؟

لقد تجاوز الدروز حقبات مصيرية كثيرة في السابق. تجربتهم في لبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي لم تكن أقل ثقلاً عليهم ممّا يجري لحدّ الآن في سوريا، لكن خياراتهم السياسية الواضحة آنذاك، شكّلت السبيل الأنجع لتجاوزهم تلك الحقبة. المختلف اليوم يكمن في انقسام الموقف السياسي داخلياً عند الدروز الذين يتعرضون لعملية استقطاب حادة من قبل إسرائيل ونظام الأسد و«حزب الله« وإيران، ويحصل ذلك في ظل تلاقٍ إسرائيلي – إيراني على تجزئة سوريا، هنا ومن هذه الزاوية يفتعل هذا الثنائي جلبة كبيرة حول الموضوع ويدفع باتجاه تشكّل ما يُسمى المسألة الدرزية وتعمل ماكيناتهما على التحدث عن مسؤولية دروز إسرائيل في حماية اخوانهم في سوريا وإرسال أموال من أجل التسلح والحماية الذاتية، وعن استجداء التسلح من «حزب الله« وجماعة إيران للحماية من ثوار درعا والقنيطرة. تشكل هذه الأمور قاسماً مشتركاً بين إسرائيل ووكلاء إيران.

هذا التقاطع يرفع من حدة المخاطر على مستقبل الدروز في المنطقة، فإسرائيل كانت تحاول توظيف الإنتشار الديموغرافي للدروز في مشروعها التاريخي للتجزئة وتوريط الأقليات في صراع مستدام، أما إيران التي تبحث عن الحفاظ عمّا تبقّى من نظام الأسد لن يكون لديها مبرر للمطالبة بكيان على قياسه إلا في حال عمّمت المخاوف وورّطت معها كيانات مشابهة.! وبالتالي فإن وظيفة عملاء إيران الذين يؤججون الفتنة بين الدروز والسنة تصب في هذا السياق لا أكثر ولا أقل. والمنخرطون في هذا المشروع يخدمون الهدف المشترك القائم حالياً بين إيران وإسرائيل، هذا المشترك الذي يستزيد من الاتفاق الآخذ في التحقق بين الولايات المتحدة وإيران.

إفشال هذا التواطؤ على المستوى المحلي يكمن في تثبيت المنحى المشترك للمكونات في سوريا من خلال ركيزة تؤسس لذلك وهي التقاء درعا والسويداء في تفاهم مشترك للعيش معاً في ظل سوريا موحدة، سوريا تعيد ترتيب ما أفسده الأسد من خلال تفاهمات تقوم على الاحترام المتبادل ونبذ التطرف واحترام التعددية.

() عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي