ويل للعالم من «داعش»!

أسعد حيدر (المستقبل)

أثبت تنظيم «داعش» في السنة الثانية لولادته (29 حزيران2014)، أن حدود «دولة الخلافة الاسلامية»، مفتوحة على العالم، وليست محدودة من حلب في سوريا الى ديالى في العراق فقط. في سنة واحدة من الارهاب والقتل كما لم يعرف العالم، تمكن «داعش» من السيطرة على نصف سوريا ومعظم حقول النفط والغاز فيها، كذلك في العراق. تعمد «داعش» أن يرهب العالم، مستخدماً كل التقنيات الاعلامية ونجح في ذلك.

بعيداً من هذا الزحف الأسود بفكره، والأحمر بدماء الأبرياء قبل المسلحين، فإن سؤالاً كبيراً طرح نفسه في الميلاد الثاني: لماذا أعلن التنظيم ولادته الثانية على مساحة ثلاث قارات، فارضاً بذلك إعادة القوى الكبرى لحساباتها منه وهو الذي كان قادراً على التمدد أكثر فأكثر تحت طائرات التحالف التي لا تصنع نصراً ولا تنهي تنظيماً بحجم «داعش»؟

سقوط سوريا والعراق أولاً تحت «سواطير» «داعش»، له أسبابه الذاتية والموضوعية. العراق انتهى منذ فكك الأميركيون الجيش العراقي وقبلوا بإعادة بنائه على أيدي قيادات مذهبية وفاسدة. النظام «السلطوي» لآل صدام حسين والتكارتة وبيت الأسد وكل المافيات المالية والمذهبية «صحّرت» الدولتين وأنضجت تحولهما الى دولتين فاشلتين قبل أن تصبحا فعلاً. حالة العراق وسوريا قبل ولادة «داعش» كانت مثل حالة موت معلن، فجاء «داعش» وكانت الكارثة. (ستمر سنوات طويلة في دراسة الأسباب التي نهضت بتنظيم «داعش» وتركيبتها المشكّلة من خليط لم يكن من السهل جمعه لولا الكثير من الاحباط العام واليأس الشعبي والخوف المذهبي. في سوريا تُرك السوريون «عراة» تحت البراميل المتفجرة وقبلها السلاح الكيماوي، وما زالوا حتى اليوم وهم مطالبين بأن يجدوا حلاً غير مضمون مع النظام الأسدي.

خطر «داعش» الكبير، أنه يسعى ويعمل جاهداً بالترهيب والترغيب على اعادة بناء المجتمع حيث يتواجد. تشكيل تنظيم «أشبال الخلافة» واعادة برمجة النظام التعليمي ونسق الجهاز التعليمي، كل ذلك يؤهل لتحويل «داعش» من ظاهرة الى نظام يتطلب الكثير من الحروب لإنقاذ الملايين منه.

«الإدارة الأوبامية» تعاملت مع «داعش» على قاعدة أنه تنظيم ارهابي داخلي. بعكس تنظيم «القاعدة»، الذي وُلد لضرب الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية. اللعب على الفصل بين الداخل والخارج، أوصل العالم بعد الاحتفال الداعشي بعامه الثاني في الضرب في قارات ثلاث، إلى حقيقة قائمة وهي ان «الوحش» لا يشبع ولا يرتوي. أخطر ما في «داعش» انه يملك أرضاً واسعة يملكها أو يعرفها يتحرك فيها ويضرب حيث يمكنه ولو تحت مراقبة الطائرات الأميركية وأنه يملك أيضاً الأموال من حقول النفط والغاز، وأن شركات غربية لا يهمها من النفط المستخرج بدماء الأبرياء سوى الربح الوفير. «القاعدة» وُلد محاصراً في أرض ليست أرضه، وبأموال تعتمد التبرعات التي تزايدت مصاعب جمعها بعد «حرب التجفيف» التي اعتمدتها المخابرات الأميركية والغربية.

خطر «داعش» أكبر بكثير من «القاعدة». إرهاب «القاعدة» كاريكاتور أمام إرهاب «داعش». حتى الآن لم تصب الولايات المتحدة الأميركية بإرهاب «داعش». عاجلاً أو آجلاً سيتمدد هذا «الطاعون» ويضرب حيث يتمكن. وهو بلا شك سيحقق نجاحات دامية وبشعة وقاتلة وسوداء في العالم. لأنّ المئات من الدواعش يملكون حرية القرار والمبادرة للضرب حيث يريدون ويتمكنون. المبادرة الفردية خطيرة جداً، لأنها لا تحتاج إلى أكثر من التزام يتشكل حتى عبر المواقع الاجتماعية. السعودي الذي فجر المسجد في الكويت، والإرهابي الذي قطع رأس مديره وحاول تفجير مخازن الغاز في مدينة ليون الفرنسية، أفضل مثل لهذا الإرهاب الزاحف.

الرئيس باراك أوباما استثمر طويلاً «حرب الكفن ضد الكفن»، رغم أن اعضاء بارزين من إدارته مثل وزير الدفاع بانيتا نصحوه «ان عدم تسلح المعارضة المعتدلة في سوريا لردع المتطرفين سيحولون سلاحهم في النهاية إلى الداخل الأميركي«. لم يفت الوقت لضرب «داعش». كل يوم تأخير إضافي خطوة إلى الأمام نحو تمدد الإرهاب الداعشي الأسود. المحافظة على «أسد البراميل المتفجرة لن يقفل أبواب جهنم أمام «داعش». إرضاء إيران وروسيا بالإبقاء على الأسد يعني فشل ضرب «داعش». في النهاية «التاريخ حاكم قاسٍ».