حرب مفتوحة «غبّ الطلب»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

الإدارة الأميركية التي بدأت تدريب قوات سورية تحت عنوان المعارضة المعتدلة «المضمونة»، واجهت مأزقاً بعد انطلاق المرحلة الأولى من المشروع المفترض أن ينتهي بجيش من عشرة آلاف مقاتل في المرحلة الأولى. تم تدريب ألف مقاتل، اختير مئتا عنصر. طلب إليهم التوقيع على تعهد بعدم «قتال النظام»، لأن الهدف هو قتال تنظيم «داعش». رفض مئة وخمسون عنصراً التوقيع، وبقي خمسون! هكذا بكل وضوح تؤكد أميركا أنها لا تريد قتال النظام، المعركة هي مع «داعش»! في البداية كانوا يقولون: «لا نريد معارضة متطرفة، لا نقدم الدعم العسكري، خوفاً من وقوع السلاح بين أيدي مقاتليها».

لم يكن الأمر مبرراً ومقنعاً، ومع ذلك، اليوم يدرّبون هم المعارضة المعتدلة، ويموّلون مبدئياً المشروع ولا يريدون قتال النظام، إذاً، ماذا يريدون؟ ما هي الأولوية؟ لا يريدون معارضة معتدلة لقتاله، ولا يقبلون معارضة «متطرفة»، وحتى في مواجهة «داعش» هم لم يخوضوا معارك حقيقية، ولم يقصفوا مواقع التنظيم بطائرات التحالف الدولي كما يجب. تحركوا مرتين. مرةً عندما أرادوا اعتقال زوجة «أبو سياف» حيّة، ونجحوا في عملية «كوماندوس» معدّة ومدروسة جيداً. قتلوا الرجل وأخذوها حيّة وأخذوا منها ما يريدون من معلومات. هي هدف ثمين، لأنها قتلت عاملة إغاثة أميركية بعد أن عذبتها! ولديها معلومات. والمرة الثانية مؤخراً قصفوا مواقع التنظيم ليتمكن الأكراد من تحرير «تل أبيض»، الأولوية لحماية كردستان العراق، والأكراد اليوم في سوريا على الحدود التركية، بعد تحرير «كوباني» سابقاً التي أصبحت ركاماً. توقيت عملية «تل أبيض» جاءت بعد أيام قليلة من هزيمة رجب طيب أردوغان وحزبه في الانتخابات التركية، وهو الذي كان يطالب بإصرار بإقامة منطقة عازلة آمنة في سوريا يحظر فيها استخدام الطيران من قبل النظام وأميركا لم توافق. إذاً، حتى «داعش»، فقتاله مبرمج ومدروس وفق المصالح الأميركية إنْ في سوريا أو في العراق. فمواقع التنظيم ومقاره وآلياته التي تصول وتجول في الصحراء، وفي المدن المختلفة تقع تحت رقابة أجهزة الرصد والتنصّت والمراقبة الأميركية المتطورة ونشاهدها على شاشات التلفزة، ولا يتم التعرّض لها إلا في الوقت المناسب لبازار التفاوض مع إيران كأولوية أميركية اليوم.

أحد المسؤولين الأميركيين برّر عدم قصف قواته النظام في سوريا، بالالتزام الأميركي بعدم مواجهة إيران أو إزعاجها هناك! إنها حرب مفتوحة ساحاتها، واستخدام طائرات التحالف فيها يكون غبّ الطلب!

على الجبهة الأميركية إذاً، إسقاط النظام ليس أولوية الآن، فماذا على المقلب الروسي؟ كثيرون اعتبروا أن كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير قطع الطريق على إمكانية تغيير الأسد بعد سلسلة الخسائر والانهيارات التي مُني بها ميدانياً، الواقع لا يقول ذلك، بوتين لم يقل جديداً، إذ ليست المرة الأولى التي يقول فيها «نحن لا نتمسك بشخص الأسد». هذا الكلام مكرّر. «ولا نعرف ماذا بعد الأسد». ليس كلاماً جديداً، وبوتين يعرف أكثر من غيره أنه هو حامي النظام في مجلس الأمن أكثر من حماية إيران له على الأرض، وقد خسر الكثير منها. ويعلم أن النظام مهزوم ومأزوم وآيل الى السقوط، وأن سوريا قد تذهب إلى التقسيم!، ولكن المعادلة الروسية – الأميركية لا تزال تراوح مكانها: واشنطن تقول بدء العملية السياسية ليس مربوطاً بتنحي الأسد، وموسكو تقول: انتهاء العملية السياسية ليس مشروطاً ببقاء الأسد. إذاً، عندما تتفق العاصمتان يصبح كل شيء ممكناً. وبينهما الكثير من القضايا، أبرزها أوكرانيا، وما تلاها من عقوبات على روسيا. وإلى أن تتفقا حمّام الدم مستمر في سوريا هذا إن اتفقتا، كذلك فإن التفاوض بين إيران وأميركا موضوع أساسي وإيران تغرق أكثر في الدفاع عن النظام، الذي باتت أولويته تحصين الساحل – معقله الأساسي – والمناطق المحيطة به، وصولاً الى الحدود اللبنانية ودمشق التي ستشهد معارك طاحنة مدمّرة !

أما إسرائيل، فهي المستفيد الوحيد من كل ما يجري، من تفكك النسيج الوطني السوري، من تفكك الدولة والمؤسسات، من انهيار اقتصاد، من دمار وخراب. ومحاولات دخول على خط الحرب بوسائل وأساليب مختلفة لتعميق الانقسام والأحقاد وتعميم الفوضى، والقول دائماً، إن إسرائيل دولة ديموقراطية، وإن ما يجري في العالم العربي ليس سببه اغتصاب فلسطين، وإن الصراع العربي – الإسرائيلي لم يعد أولوية، وهو لم يلحق الأذى بأمن واستقرار وازدهار المنطقة قياساً على ما يفعله العرب والمسلمون ببعضهم بعضاً!