في سوريا.. الخطر يطال الجميع

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

أن تلجأ اسرائيل إلى: تهديد الدول العربية، وشن الحروب عليها، ومصادرة ثرواتها، وإثارة الفتن المذهبية والطائفية. والعمل على تفتيت الدول العربية وتقسيمها، ومنعها من امتلاك أي عنصر من عناصر القوة العلمية أو التقنية أو العسكرية أو المالية أو…، إضافة إلى احتلال الأراضي، لاسيما في فلسطين وتهجير أبنائها، ومحاولة إقامة دولة يهودية بشروطها الكاملة وضماناتها الدولية التامة. إسرائيل تقوم باستغلال كل ما يجري اليوم في العالم العربي من حروب وصراعات واقتتال وسقوط حدود ودول ومؤسسات، وتعميم فوضى، وتعميق أحقاد، ونزوع نحو التطرّف، ونزوح، ولجوء، وما ينتج عن كل ذلك من مشاكل اجتماعية وتحولات في الديموغرافيا والجغرافيا، وتغييرات في وجه المنطقة كلها لاسيما مع استهداف الأقليات واقتلاع وتهجير مكوناتها في أكثر من مكان.

تل أبيب تمارس سياسة الابتزاز في وجه الجميع، من أميركا إلى المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية في منطقتنا تحت عناوين مختلفة لمنع إقرار الاتفاق مع إيران، وفي أسوأ الاحتمالات لإقرار اتفاق تكون قد حصلت على ثمنه مسبقاً ضمانات استثنائية على كل الصعد، دون أن يتحدث أحد عن ترسانتها النووية، ودون أن يكون ثمة تصور ولو خيالي للدخول إليها.
إسرائيل تحاول الادعاء بأنها حريصة على حماية الأقليات في المنطقة، وأنها دولة تنوّع، وبالتالي تقيم المناحات وتركز على ما يجري في منطقة السويداء السورية حيث غالبية السكان من أبناء طائفة العرب الموحدين الدروز، وهي تمارس ضدهم داخل كيان الاغتصاب والإرهاب أبشع صنوف التمييز والحرمان وتحت شعار «حلف الدم» معهم، وهي التي هجرت المسيحيين، ولم يبق منهم إلا القلة القليلة. وهي التي تمارس العنصرية ضد اليهود السود. وتحتل أراضي الغالبية، وقد هجرت عدداً كبيراً من أبنائها وتستمر في محاولة تهجير الباقين.

أن تفعل إسرائيل كل ذلك وغيره، فهذا أمر طبيعي. فهي دولة اغتصاب وجدت في إطار مؤامرة على المنطقة، وبالتالي هي ولّادة مؤامرات دائمة. والقول إن ثمة مؤامرة ليس سراً أو اكتشافاً. وإن إسرائيل تفعل كذا وكذا ليس سراً، هي تقوم بعملها. هذا مبرّر وجودها واستمرارها. وهذه هي مصلحتها، وبالتالي يجب ألا نبقى أسرى نظرية المؤامرة، بل أن نراها ونعرف كيف نتعامل معها بما لا يحقق لاسرائيل أهدافها، ولا يقدم لها مواد تساعدها على ذلك، كما هو حاصل الآن في الدول العربية، حيث تحقق إسرائيل نجاحات استثنائية دون أن تخوض أي حروب أو تدفع أي ثمن. كل ما يجري في المنطقة يخدم مصالحها. لتبرير منطقها وسياساتها اليوم تحاول اسرائيل استغلال خصوصية وضع طائفة العرب الموحدين الدروز في سوريا لاستمالة ابناء الطائفة في الداخل أكثر، لتعميق المشاكل والخلافات في سوريا أكثر، لتعميق الأحقاد وإبقاء نار الفتن مشتعلة، وللادعاء بأنها حريصة على الأقليات في المنطقة وهي الدولة الوحيدة التي لا يهجّرون فيها أو منها! تماماً تتلاقى هنا مع شعارات النظام في سوريا. النظام الذي سلم إسرائيل سياسياً سلاحه الكيماوي سلاح الردع والتوازن الاستراتيجي، وذهب إلى الخيار الأمني، وتسبب في تهجير الملايين في الداخل ونزوح ملايين إلى الخارج مع ما تعيشه سوريا اليوم. ومع ذلك تخرج أصوات من أتباع وحلفاء النظام لتهاجم الزعيم الوطني وليد جنبلاط وتتهمه بالدخول الى محور استنزاف خط أو محور المقاومة ولتبرير الإرهاب وخدمة اسرائيل وهو الذي، دعا أبناء السويداء الى المصالحة مع جيرانهم، إلى المحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي في سوريا، إلى بناء المستقبل معاً مع الجيران والأهل. وهو الذي تناول الأزمة السورية منذ بداياتها من منظار شامل، وليس من منطلق فئوي ومذهبي. فهو الذي كان ولا يزال يقول إن الأزمة هناك وطنية. لا تستهدف فريقاً دون آخر. العلويون خسروا والمسيحيون هجّروا، والأكراد تعرضوا ويتعرضون، والدروز في وضع مماثل وكل هؤلاء أقليات. لكن يجب ألا ينسى أحد أن الأكثرية السُنية مهجرة، نازحة، مظلومة، مستهدفة، مقهورة، بما يؤكد شمولية الخطر على الجميع.

فهل الدعوة إلى المصالحة مع الجيران، وتوحيد المواقف لتحقيق تغيير حقيقي في البلاد، لا بد أنه آت، لكن توقيته مهم للحد من الخسائر والمحافظة على ما تبقى من سوريا ووحدتها وثرواتها الإنسانية التراثية. ولمنع إسرائيل والغرب الخبيث من الاستفادة، وتعميق الجراح، ولوقف سفك الدماء. هل مثل هذا التوجه هو الذي يخدم إسرائيل؟ أم النظام الذي يفعل ما يفعله وسلمها سلاحه الكيماوي ليحفظ نفسه؟ فهذا عمل قومي، أما الدعوة إلى المصالحة فهي خيانة؟

نحن أمام عقليات وذهنيات وشخصيات وأدوات تحكمها الغرائز. يحكمها الحقد الذي يعمي البصائر، وهذا ما أوصل سوريا إلى الهلاك. النظام السوري أنهى نفسه منذ بداية حربه الأمنية ضد الناس، وهو ينهي معه سوريا التي نعرفها ويعرض مستقبل أبنائها كل أبنائها للخطر كما يهدد وحدتها.

وليس كما قيل منذ أيام بلسان إيران: إن سقوط النظام خطر على سوريا. بقاؤه هو الخطر اليوم. وهذا لا يعني على الإطلاق تبريراً لأي عمل لا تقرّه الانسانية والأخلاق، والنظام كان السبّاق الى ذلك ولم يقصّر في شيء في هذا المجال أيضاً.