إنسداد سياسي يهدد الاستقرار اللبناني

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بدأت نتائج الاختلال السياسي في عدد من الملفات تظهر على الساحة اللبنانية، وهي تُنذر بتفاقُم التوتر إلى الحدود التي قد تُصبح السيطرة عليه صعبةٌ للغاية. ولعلَّ الجوانب الأبرز من هذا الاختلال، تكمُن في ملفين أساسيين، وما يتفرع عنهما من حيثياتٍ مترابطة. عنيت ملف الفراغ في رئاسة الجمهورية، وتداعيات مشاركة حزب الله في الأحداث السورية.

ومع مرور سنة كاملة على الفراغ في سدَّة الرئاسة، وسنتين على إعلان حزب الله تدخله العسكري إلى جانب النظام في سوريا، بدأت تتكشَّف أكثر فأكثر تبعات الحدثين، وما يعكسانه من إختلال سياسي – وإلى حدٍ ما أمني – على الساحة اللبنانية. والانسداد السياسي المُخِيف الذي تعيشه البلاد اليوم، أحد نتائج هذين الحدثين غير المسبوقين.

كل القوى السياسية اللبنانية تقف أمام الحائط المسدود فيما يتعلق بموضوع الفراغ الرئاسي. وتحرُّك نواب قوى 14 آذار وبعض الوسطيين بإتجاه الصرح البطريركي في بكركي بمناسبة الذكرى السنوية لمغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا بعد إنتهاء ولايته، لم يُحدث الأثر المأمول منه، ذلك أن إصرار حزب الله والتيار الوطني الحر على عدم حضور جلسات الإنتخاب إزداد تأكيداً، لا سيما من خلال مواقف العماد المُتشددة التي أعلنها أمام أنصاره في الرابية، كما أن رئيس مجلس النواب رفض أية إجتهادات دستورية، قد تأتي بنتائج عكسية على الاستقرار، وبالتالي لم يوافق على أن يكون نصاب جلسة إنتخاب الرئيس نصف زائد واحد من النواب، وهو العدد الذي أصبح يحتاجه الرئيس للفوز، بينما نصاب الجلسة لا يقلُّ عن ثلثي أعضاء مجلس النواب.

وعلى الضفة الأُخرى من الازمة، تأتي مواقف حزب الله المُتشدِّدة، بمناسبة ما يجري من معارك بينه وبين بعض قوى المعارضة السورية في جرود القلمون، لتُطفي أجواء من الخوف الحقيقي على الإستقرار اللبناني لا سيما من زاوية الدعوة إلى التعبئة العامة التي أشار إليها أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، وما تطرق إليه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن إنتصارات الحزب “التاريخية” في القلمون، والتي ستُستكمل حتماً في عرسال ومحيطها، لدرء الخطر التكفيري عن لبنان كما قال.

لا توافق أغلبية القوى السياسية اللبنانية على تشخيص حزب الله للمعارك الجارية على المقلب الآخر للحدود اللبنانية مع سوريا، وتعتبر أن قتال حزب الله هناك، مُجرد دفاع مُستميت عن النظام السوري الذي يعيشُ أياماً صعبة للغاية، ذلك ما أشارت إليه بوضوح قوى 14 آذار، وما أكد عليه رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري، وهو إعتبر أن مهمة الدفاع عن القرى اللبنانية الحدودية، مُناطةٌ بالجيش اللبناني والقوى الشرعية الأُخرى، ولم يُكلف أحد حزب الله للقيام بهذه المُهمة، على حدِ تعبيره.

هذه العناوين، وما يرافقها من إختلافات على تقطيع أمور مؤسسات الدولة (على حد تعبير الرئيس بري) خلقت أجواء مُتشنِّجة للغاية، وبدت كأنها إستعدادٌ لجولة توتر غير مسبوقة، قد تُهدد سياق التعايُش السياسي بين القوى المُتخاصمة داخل حكومة المصلحة الوطنية، وقد تؤدي أيضاً إلى وقف الحوارات الجارية بين تيار المُسقبل وحزب الله، وبين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

يُسارِع المُهتمون بإطفاء التوتر بإجراء الاتصالات التي تُخفف من حدة الاحتقان، ويبذل رئيس الحكومة تمام سلام، والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، جهوداً حثيثة لكي يستمر الحوار بين الأطراف، ولتلافي الانفجار الذي قد يُطيحُ بكل مقومات الاستقرار، في لحظةٍ ساسية في غاية التعقيد، قلَّما عاشتها البلاد من قبل. فهل ينجح هؤلاء وغيرهم بفتح كوة بيضاء في جدار الانسداد السياسي الأسود؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية