استقالة سمسار دولي

راجح الخوري (النهار)

بدا الخبر وكأنه يأتي من تاريخ بائس وسحيق: اللجنة الرباعية الدولية لحل أزمة الشرق الأوسط تعلن استقالة ممثلها طوني بلير من مهمته.

أنعم وأكرم، من كان يتذكر طوني بلير الذي تحوّل منذ زمن بعيد مستشاراً لبنيامين نتنياهو، وسمساراً يقدّم الاستشارات مستغلاً دوره لتأسيس علاقات مالية مع دول وأثرياء في المنطقة، ثم من يتذكر بعد اللجنة الرباعية الدولية، التي لم تقدم شيئاً مفيداً للقضية الفلسطينية منذ تأسيسها في مؤتمر مدريد عام ١٩٨٢، وهل كثير اذا قلت وبألم: ومن يتذكر فلسطين وقضيتها في هذا الزمن العربي البائس؟
بلير الذي لعب دوراً خبيثاً في تحريض جورج بوش لشن الحرب على العراق، كافأته واشنطن بعدما ترك رئاسة الوزراء في بريطانيا بتعيينه عام ٢٠٠٧ ممثلاً للرباعية الدولية، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم لم يفعل شيئاً مفيداً لأزمة المنطقة، ولكنه وفق ما كتبته صحيفة “التلغراف” البريطانية تمكن من ان يضيف الى ثروته ما يقرب من ١٤٠ مليون دولار كسبها من استغلال منصبه في أعمال استشارية.
الصحيفة تقول انه مضى بعيداً في سلوك استغلالي يقوم على تضارب المصالح ونشط كمستشار نظّم عدداً من عمليات الاستثمار الضخمة في أوروبا مقابل عمولات، وان القضية الفلسطينية لم تكن تحظى بأي اهتمام منه، اللهم، لانحيازه الفاضح الى اسرائيل وارتباطه بنتنياهو.
تأخّر كثيراً في الاستقالة من مهمة وهمية لتمثيل هيئة وهمية، لكن العتب ليس عليه ولا على الرباعية الدولية بل على الذين توهّموا انه سيفعل شيئاً للقضية الفلسطينية، وها هي حنان عشراوي تقول ان بلير لم يفعل أي شيء للعملية السياسية، بل على العكس كان منحازاً الى الجانب الاسرائيلي، ولم يكن متفرغاً لمهمته كموفد دولي.
ما يدعو الى السخرية انه بدأ مهمته بطرح نظرية “السلام الاقتصادي” التي تدعو الى تنمية الدورة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، لكنه لم يقدم شيئاً في هذا المجال بينما كان الاحتلال يخنق السلطة الفلسطينية ويمنع عنها حتى حقوقها من ضريبة المعابر، وعلى امتداد سبعة أعوام لم يدلِ بتصريح ولم يعترض على تغوّل حركة الاستيطان واحتلال اراضي الفلسطينيين!
بلير ذهب لكنه ترك وراءه مزيداً من الترهات، ذهب لكنه يستمر في المخادعة عندما يقول انه من دون دور رسمي سيظل ملتزماً مساعدة المجتمع الدولي في عمله مع اسرائيل والفلسطينيين لإحراز تقدم في حلّ الدولتين، وأنه “سيركّز على تقوية العلاقات بين اسرائيل والعالم العربي”، فمن أين يأتي بهذه العلاقات؟
بلير كان سمساراً منسياً وهو يذهب الى النسيان بعدما جمع ثروة على هامش دوره، هو فاشل والرباعية الدولية التي يمثّلها فاشلة، والعرب والفلسطينيون أكثر فشلاً لأنهم قبلوا به مبعوثاً مخادعاً ورخيصاً!