بعد عام على الشغور …هل تكفي النداءات ليصحى ضمير المقاطعين لجلسات الإنتخاب الرئاسية؟

ما يدور في كواليس الأروقة السياسية المحلية والإقليمية والدولية لا يدل سوى إلى أن الشغور الرئاسي مستمر في قصر بعبدا حتى اشعار آخر، ومن دون وجود لأي بشائر قريبة أو بعيدة تدل على أن القوى السياسية المعنية بهذا الاستحقاق قادرة أو ستسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المدى المنظور خصوصا أن الأزمة الرئاسية في لبنان بحسب المراقبين باتت مرتبطة بأحداث المنطقة وتعقيداتها الشائكة على المستوى الدولي والإقليمي.

وفي هذا السياق، أكدت أوساط متابعة لـ الأنباء بان النداءات المحلية والعالمية السياسية والروحية لم ولن تنجح في إيقاظ الضمير الوطني والحس بالمسؤولية عند النواب المقاطعين لجلسات الانتخاب الرئاسية في مجلس النواب ، لأنه بصريح العبارة واستنادا إلى الوقائع التي باتت واضحة ولا لبس فيها، فأن الـ 42 نائبا المقاطعين لجلسات الانتخاب الرئاسية هم في حقيقة الأمر رهينة مشروع المحور الإقليمي الذي لا يريد تمرير الإستحقاق الرئاسي في لبنان لأسباب مرتبطة حصريا بمصالحه التوسعية في المنطقة العربية وكل ما يقدم من تبريرات لمسألة مقاطعة جلسات الانتخاب ليست سوى عملية تضليل وتسويف باتت مكشوفة لذر الرماد في العيون . و بعيدا عن شعارات الإصلاح والتغيير والسيادة والحرية و الإستقلال التي يرفعها البعض بخلفيات شعبوية ضيقة، فإن ما يقدم من قبل بعض الكتل النيابية التي تقاطع جلسات الانتخاب من اقتراحات ومبادرات همايونية تتعارض مع أحكام الدستور التي ترعى آلية انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليست سوى تمويه لعجز تلك القوى التي رهنت قرارها الوطني ومصلحة لبنان لإعتبارات متصلة بعلاقاتها الإقليمية التي تأخذ البلاد بفعل الشغور المتمادي نحو أفاق مجهول.

وفي اليوم الاول بعد العام، عادت رئاسة الجمهورية بكل زخمها الى قلب الحدث، واستنفرت الجهود والطاقات محليا وخارجيا بحثا عن مفتاح حل الازمة ، بعدما تلاشت خلال الاشهر الاخيرة الاهتمامات وبردت الهمم، وأشيحت الانظار ولو جزئيا عن مجريات التجاذب السياسي في شأن الازمة المفترض انها الاكثر وطأة والاشد سلبية على الداخل. والى بكركي، شخصت الانظار منذ الصباح علّ الإجتماع الذي عقد بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والنواب المسيحيين المستقلين ومن 14 آذار، يكشف النقاب عن جديد او يحمل الخبر اليقين للبنانيين، الا انه على أهمية المواقف والتمنيات بالالتزام بالدستور وانتخاب رئيس
، لم يفرز ما يوحي بقرب الحل، باستثناء اقتراحات يؤمل ان تنتج ايجابيات كمثل اقتراح دعوة جميع النواب من كل الطوائف والاحزاب والكتل او اقتصار الدعوة على النواب المسيحيين لاجتماع في بكركي لاتخاذ الخطوات المناسبة، وتشكيل لجنة نيابية لمواصلة التنسيق واطلاع رئيس مجلس النواب نبيه بري على ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الى طروحات تقضي بتنظيم اعتصامات نيابية في البرلمان لساعات محددة. حتى ما تم تسريبه اعلاميا عن ان البطريرك الراعي يوافق على طرح انتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا، تبين انه غير دقيق واضطر المكتب الاعلامي في بكركي الى اصدار نفي وتوضيح، بانه لم يعط رأيه بالنصاب بل وافق على نقل الاقتراح الى بري ومناقشته معه، مؤكدا ان ما يتفق عليه النواب مع بري يوافق عليه.

وفي هذا الإطار، نشطت الاتصالات خارجيا على محور فك الازمة الرئاسية من باب عريض عنوانه الاستقرار الامني الممنوع هزه او تجاوز الخط الاحمر المرسوم دوليا للساحة اللبنانية. وكشفت مصادر سياسية متابعة ان الحركة الخارجية موزعة على أكثر من محور حيث تشكل زيارة الموفد البابوي وزير خارجية الفاتيكان سابقا الكاردينال دومينيك مامبرتي لبيروت في 29 الجاري على رأس وفد فاتيكاني احدى محطاتها، في ضوء ما اشارت اليه المصادر من اهتمام سياسي بها، مشيرة الى ان السفير البابوي غبريال كاتشيا سيعود غدا الى بيروت لاستقبال مامبرتي. وقالت ان البطريرك الراعي سيعقد لقاء كنسيا يضم الى مامبرتي بطاركة الشرق الكاثوليك للبحث في ملف الوجود المسيحي في المنطقة ولن تغيب عنه حتما اجواء الرئاسة وكيفية وضع حد للشغور في الموقع المسيحي الاول في الدولة. واوضحت ان في جدول مواعيد الضيف الرسولي يتضمن لقاءات معلنة واخرى ستبقى طي الكتمان.

اما المحور الثاني، فتشير مصادر دبلوماسية لـ”المركزية” الى انه ينطلق من الداخل الى الخارج، اذ توقعت ان تزور ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ طهران والرياض مطلع حزيران المقبل للبحث مع المسؤولين في السبل المتاحة لتسهيل انتخاب رئيس عبر فك ارتباط ملفه بازمات المنطقة، وهي محاولة كان بذلها سابقا سلفها ديريك بلامبلي عبر جولات مكوكية قادته الى اكثر من عاصمة اقليمية مؤثرة في رئاسة لبنان.

وتعتبر المصادر ان المحور الثالث يتوزع دوليا بين الفاتيكان وواشنطن وموسكو والرياض ويستند الى تقارير دبلوماسية صادرة عن سفراء غربيين في لبنان تؤشر الى ان تأخير انتخاب الرئيس يعقد الامور كثيرا وقد ينعكس على صيغة لبنان الكيانية، والى دراسات صادرة عن مراكز ابحاث اميركية تحذر من خطورة وضع المسيحيين والاقليات في الشرق في ظل تنامي التنظيمات الاصولية والتكفيرية، اضافة الى القلق من امكان انهيار الاستقرار الامني والسياسي الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد، بعدما تضمنت تقارير السفراء الى حكوماتهم مخاوف من انعكاسات تورط حزب الله في معركة القلمون وتداعياتها على الاستقرار في الداخل اللبناني.

بدوره جه رئيس مجلس الوزراء الاستاذ تمام سلام مساء اليوم كلمة لمناسبة مرور عام على الشغور الرئاسي جاء فيها:مر عام كامل على انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية…. وقد أخفق ممثلو الشعب اللبناني، منذ بدء المهلة المحددة في الدستور للشروع في انتخاب رئيس للبلاد، في أداء هذا الواجب الدستوريوالوطني.لقد أدى التعطيل المتكرر لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إلى إدخال البلاد في مسار سياسي وإقتصادي خطير، لا يبدو أن الجميع مدرك لفداحته، أو أن الكل يشعر بالدرجة نفسها من المسؤولية الوطنية تجاهه. لا بل يمكن القول، إن هناك للأسف من لا يستعجل الخروج من هذا المأزق، مهما كانت الأضرار الناجمه عنه، ومهما كانت المخاطر المحيطة بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها منطقتنا.لقد تعرضت صورة لبنان في العالم، إلى إساءة كبيرة من جراء هذا الوضع، فظهر بمظهر الدولة العاجزة، مما عزز للأسف حجةالقائلين إن اللبنانيين قاصرون عن معالجة شؤونهم بأنفسهم، ويحتاجون دائما إلى راع، يضع الحلول لمشاكلهم.أدى هذا الواقع أيضا، إلى خلل فادح في عمل المؤسسات الدستورية التي تشكل هيكل نظامنا السياسي. فالتعطيل الذي أصاب عملية انتخاب رئيس للجمهورية، أنعكس إبطاء لعمل المجلس النيابي، مع ما يعنيه ذلك من عرقلة لعمل الدولة ولمصالح اللبنانيين، واحتمال خسارة كثير من المشاريع الممولة من المؤسسات الدولية،والتي تحتاج إلى قوانين للإفادة منها.

في مناسبة مرور عام على الشغور الرئاسي ايضا، تلقّى رئيس الحكومة تمام سلام اتصالات من مسؤولين غربيين وعرب لدعم وتأييد الدور الذي لعبه مع مجلس الوزراء طوال السنة الماضية، حيث حافظ على السلطة التنفيذية تعمل وحيدة في وقت أصاب الشلل باقي المؤسسات الدستورية، وتضمنت حثا على اتمام الانتخابات الرئاسية. وأبرز الاتصالات تلقاها سلام من يان إلياسون نائب الامين العام للامم المتحدة الذي أكد لرئيس الحكومة الدعم الاممي لحكومته كونها آخر المؤسسات الشرعية العاملة في لبنان، ولدوره في ابقاء محركات الحكومة شغالة، في ظل الفراغ على رغم كل المطبات التي واجهتها. الى ذلك، نقل نائب عنه دعمه المطلق للجيش وسائر القوى الامنية اللبنانية في غمرة التحديات التي تواجهها في الداخل وعلى الحدود، باعتبارها صمام الامان الوحيد عن أمن الاراضي اللبنانية واستقرارها. كما حمل دعوة صريحة لكل الأطراف اللبنانية الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وملء الفراغ المتحكم بالرئاسة الاولى منذ عام.

_______________

(*) الافتتاحية – هشام يحيى