رسائل مقلقة من أوروبا لإسرائيل

 تزايدت وتيرة انتقادات الدبلوماسيين الأوروبيين لإسرائيل، بعد تأليف الحكومة الجديدة، وقد حذر هؤلاء الدبلوماسيون إسرائيل أن عدم إقدامها على “مبادرة سياسية” في أقرب وقت في اتجاه استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، سيعرضها إلى ضغط كبير قد يترجم في عدة خطوات ملموسة. واستناداً إلى تصريحات هؤلاء الدبلوماسيين، فإن الأوروبيين يريدون “القيام بدور فاعل في إعادة إحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين.” ويتركز المحور الأساسي لهذا التحرك على المبادرة الفرنسية التي تدعو إلى استئناف المفاوضات فوراً، ووضع جدول زمني مدته سنة ونصف السنة من أجل بلورة اتفاق دائم، مع إضافة الجملة التالية أنه إذا لم يتحقق هذا الهدف فإن “فرنسا ستعترف بفلسطين كدولة.”

ويظهر من صوغ المبادرة أن التهديد موجه إلى إسرائيل فقط، وهذا دليل على عدم التعامل بصورة متوازنة مع الطرفين. أمّا ما ورد في المبادرة من كلام عن الحرص على المواقف الإسرائيلية ومصالح القدس فهو بصورة أساسية لا يعدو كونه ضريبة كلامية. فعلى سبيل المثال عندما تأتي المبادرة الفرنسية على ذكر “الترتيبات الأمنية التي تحتاج إليها إسرائيل” فإنها لا تذكر كيف سيجري تأمين هذه الترتيبات، ولا كيف سيتم نزع السلاح، ناهيك عن مسألتي الحدود والأمن وإلى ما هنالك. علاوة على ذلك، فإنه يجري طرح الدولة الفلسطينية كأمر واقع من دون أن يكون لإسرائيل أي دور في فرض قيود عليها في المجال الأمني، ومن الصعب عدم التأثر بكلام الاتحاد الأوروبي عن أنه يؤيد قيام دولة فلسطينية حتى من دون مفاوضات حقيقية بين الطرفين، متجاهلاً أغلبية مواقف إسرائيل بهذا الشأن.

 إن بعض دول أوروبا هي صديقة لإسرائيل ومؤيدة لها منذ سنوات طويلة، لكن يبدو أن دولاً أُخرى في الموضوع الفلسطيني تحديداً هي التي تفرض موقفها، وذلك ربما بسبب الواقع الديموغرافي فيها، مثل فرنسا. من هنا، يمكن للدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي أن تعمل مستقبلاً لمصلحة دولة إسرائيل.

 في عالم أكثر عقلانية وأخلاقية، كان يُنتظر من أوروبا تحديداً، في ضوء تاريخها مع الشعب اليهودي، أن تتوحد بصورة شاملة من أجل محاربة ظواهر العداء للسامية بأشكالها القديمة – الجديدة، مثل العداء لإسرائيل والعداء للصهيونية، وكذلك محاربة مبادرات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية، لكنها بدلاً من ذلك نجدها تدرس اتخاذ خطوات قد ينجم عنها التخلي عن إسرائيل وتركها فريسة أعدائها. وليست النقطة الأساسية في الجدل الدائر هي موضوع “الدولتين”، فقد أجاد نتنياهو توضيح موقف إسرائيل من هذا الموضوع، بل الأحادية التي يريد بواسطتها الاتحاد الأوروبي فرض صيغة لا تأخذ في الحسبان مصالح إسرائيل الأساسية الأمنية وغير الأمنية، وتفانيه في خدمة المطالب المتطرفة للفلسطينيين.

 لا عجب والحال هذه أن يصبح الفلسطينيون أكثر شجاعة نتيجة هذه التصريحات الأوروبية، وأن يبدوا مزيداً من التصلب. فيقول “ملك السلام” أبو مازن إن على اللاجئين الفلسطينيين في سورية ألاّ يتنازلوا عن حق العودة، كذلك أعلن صائب عريقات في نهاية اجتماعه مع مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني أن الفلسطينيين مستعدون لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل إذا وافقت مسبقاً على شروطهم.

ليست هذه أول مرة (ولا الأخيرة) التي ستحاول فيها أوروبا أن تؤدي دوراً في الموضوع الفلسطيني من خلال الالتفاف على الولايات المتحدة، لكن نأمل بأن تعمد واشنطن هذه المرة كما في الماضي إلى عرقلة هذا التحرك. ومن المؤشرات المشجعة أنه وعلى الرغم من الخلافات في الرأي بشأن الموضوع الإيراني، فإن إدارة أوباما متمسكة بسياسة الولايات المتحدة التقليدية إزاء موضوعات حيوية بالنسبة إلى إسرائيل لا تتعلق بالمساعدة الأمنية فحسب، بل بموضوعات أكثر أهمية، مثل إحباط المبادرة المصرية بشأن جعل الشرق الأوسط منطقة منزوعة من السلاح النووي. ويمكن أن نأمل بأن توجهاً إيجابياً كهذا سيظهر أيضاً فيما يتعلق بالمبادرة الفرنسية عندما ستطرح في الأسابيع المقبلة على مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

في المحصلة، من الواضح أن وجهة النظر الأميركية يجب أن تحتل مكاناً أساسياً في التحركات الدبلوماسية لحكومة إسرائيل.

—————————-

(*) زلمان شوفال – عضو كنيست سابق وسفير سابق في واشنطن
“يسرائيل هَيوم”

نقلا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية