الفصل بين اليهود والفلسطينيين في الباصات ليس هو الحل

إن قرار إلغاء الأوامر بعدم السماح للفلسطينيين الذين يسكنون يهودا والسامرة [الضفة الغربية] باستخدام الباصات التي يستخدمها الإسرائيليون لدى عودتهم من عملهم في إسرائيل كان قراراً صحيحاً، لكن سبب اتخاذه كان خطأً. فلا يجب أن تكون ردة الفعل المتوقعة على قرار المنع هي السبب الأساسي والوحيد للخطوة التي اتخذها رئيس الحكومة، وإنما المعايير الأخلاقية التي علينا أن نتبناها، ذلك بأن الفصل بين ركاب المواصلات العامة وفقاً لأصلهم أمر يتعارض مع معاييرنا الأخلاقية. وما نفكر فيه عن أنفسنا أهم بكثير مما يفكر فيه الآخرون عنا.

 لا يمكننا أن ننكر وجود مشكلة أمنية، وأن المدنيين الإسرائيليين يشعرون أحياناً بأنهم في خطر. فأكثر من مرة فجّر الفلسطينيون أنفسهم في الباصات وقتلوا وجرحوا مئات الإسرائيليين، وهم يحاولون في القدس مرة تلو أُخرى طعن يهود أو دهسهم في الشارع، وقبل نحو عام أقلّ مخربون ثلاثة شبان يهود في سيارتهم وقتلوهم. لكن هل هذا يعني أن السبيل للدفاع عن الركاب اليهود هو من خلال منع أي فلسطيني من استخدام المواصلات العامة والاحتكاك باليهود؟ أو أن على الذين يحتاجون إلى سيارات أجرة للتنقل استخدام سيارات يقودها سائقون يهود؟ وهل حل المشكلات الأمنية التي تسبب بها مخربون فلسطينيون هو الفصل بين اليهود والعرب؟

 الفصل ليس هو الرد، وإنما هو خطأ مدمر للمجتمع الإسرائيلي من الناحية الأخلاقية. لقد تعلم اليهود والعرب العيش جنباً إلى جنب في دولة إسرائيل، والفصل بينهما اليوم غير ممكن وغير مرغوب. إن العمال الفلسطينيين من يهودا والسامرة [الضفة الغربية] يأتون يومياً إلى إسرائيل، ويساهمون في الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني في آن معاً. كذلك يجب أن يكون الاستمرار في دمج المواطنين العرب الإسرائيليين في المجتمع العام أحد أهداف الحكومة، ومما لا شك فيه أن تحسين ظروف الحياة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] مفيد لإسرائيل وللفلسطينيين. لذا فإن الفصل بين يهود وعرب، حتى لو اقتصر على الضفة الغربية، يتعارض مع هذا التوجه بصورة مطلقة.

في إسرائيل نفسها تتقدم عملية دمج المواطنين العرب في المجتمع وفي سوق العمل من سنة إلى أُخرى. فهناك اليوم أطباء عرب يعملون في مستشفيات إسرائيلية، وأساتذة عرب يحاضرون في الجامعات، ومحامون ومحاسبون عرب شركاء في مكاتب كبيرة، وصيادلة عرب يعملون في صيدليات في مدن يهودية، وسائقو سيارات أجرة عرب يعملون في شتى أنحاء إسرائيل. وليس هناك إنسان عاقل يفكر في الفصل بين اليهود والعرب في الدولة.

لكن الوضع في القدس أشد تعقيداً، ذلك بأن عدداً كبيراً من سكان الأحياء العربية في المدينة يعملون في شركات يملكها يهود، وكثيرين من سائقي سيارات الأجرة الذين يعملون في الأحياء اليهودية هم من العرب. ويثير ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية التي يقوم بها السكان العرب في القدس مخاوف اليهود من سكان المدينة، لكن حتى هنا الفصل ليس هو الرد، وهو أمر مرفوض من الناحية الأخلاقية، كما أنه يثير اشمئزاز كل مَنْ يريد أن تبقى القدس مدينة موحدة. فمن الأفضل تحسين الأوضاع الأمنية من خلال زيادة اليد العاملة التي تخدم في الأمن والشرطة، وزيادة عدد الحراس في الأماكن الاستراتيجية في المدينة، لا من خلال محاولة الفصل بين اليهود والعرب.

 وفي الوقت الذي يشكل اليهود الأكثرية في إسرائيل، فإن العرب هم الأكثرية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. كما أن هناك إسرائيليين من اليسار يريدون اقتلاع 500 ألف يهودي من حياتهم هناك، وشعارهم “هم هناك ونحن هنا”. إن هذا النوع من “الفصل” النهائي ليس هو الرد المطلوب.

 لا للفصل الذي يتحقق من خلال ترحيل السكان اليهود، ولا للفصل في الباصات. وعلى مؤسساتنا الأمنية أن تسعى لضمان أمن جميع الذين يعيشون في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] في إطار المعايير الأخلاقية التي نؤمن بها.

———————————-

(*) موشيه أرينز – عضو كنيست ووزير دفاع سابق عن حزب الليكود/ “هآرتس”

نقلا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية