عن تاريخية القِمة الهندية – الصينية الاخيرة

د. ناصر زيدان

القمة الهندية – الصينية التي عُقدت بين الرئيس الصيني تشي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي نارندار مودي في ولاية شنشي الصينية مسقط رأس جينبينغ في 15 أيار الجاري، ألغت بالكامل مفاعيل الحرب التي وقعت بين البلدين على الحدود المُشتركة في جبال الهيملايا خلال شهري أكتوبر/ تشرين الاول، ونوفبر/ تشرين الثاني من العام 1962. ذلك أن حفاوة الاستقبال الذي حضيَ به مودي، والمعاملة الخاصة التي لقيها، تنمُّ عن رغبة صينية جامحة بالغاء آثار كل سنوات التوتر بين الجارتين الكبيرتين. والجانب الهندي لديه ذات الرغبة، وهو لم يتخلَّ عن المبادىء التي تمَّ الاتفاق عليها في العام 2010، حيث إلتزم الطرفان بإيجاد حل سلمي، وعادل، ومعقول للنزاع الحدودي بينهما.

يعيش في الصين والهند حوالي 2,5 مليار من السكان، أي ما يُقارب خمس سكان الكرة الارضية، وللدولتان مكانة مُتقدِّمة على الساحة الآسيوية، كما على المستوى الدولي العام.

وحولهما تتمحور حركة مجموعة “البريكس” التي نشأت للإعتراض على الاستفراد الأميركي عام 2009، ويقف إلى جانبهما فيها، روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا.

كما أن التعاون بين الطرفين قائم على وتيرة مُتصاعدة في سياق مجموعة “العشرين” التي تضم الدول التي تملك أكبر عشرين إقتصاد في العالم.

قمة هندية - صينية

وما يُساهم أكثر فأكثر في تنامي العلاقات الصينية – الهندية، البرغماتية اللافتة التي يتحلَّى بها رئيس وزراء الهند نارندار مودي، إضافة إلى مؤشرات التعاون التي برزت بوضوح خلال العام الماضي، ومنذ بداية العام الحالي، بين روسيا والصين، لمواجهة التدخلات الأميركية واليابانية المُتفاقمة في منطقة شرق آسيا وجنوبها الشرقي، ومصالح الهند الإقليمية مع بكين وموسكو، تفوق مصالحها مع المحور الأميركي، رغم أن واشنطن تحاول الايحاء أن علاقاتها مع دلهي ممتازة، وهي تريد التعاون مع بكين أيضاً لحل المشكلات الاقليمية المُعقَّدة، وفقاً لتصريح وزير الخارجية الأميركي الذي زار الصين في 17/5/2015.

تحاول الصين الإستفادة من السوق الهندي الصاعد، والذي يتجاوز حجمه ال2000 مليار دولار، كما أنها ترغب في الاطمئنان إلى خلفيتها الشرقية – الجنوبية، بعد تصاعد مُشكلاتها مع الشرق وجزء من الجنوب من خلال الحلف الذي رعته واشنطن بين اليابان وأخصام هذه الأخيرة التقليديين في الفيليبين والفتيتنام، وهؤلاء جميعاً، يعترضون بقوة على أعمال التنقيب عن النفط التي تقوم بها بكين في مياه وجُزر بحر الصين الجنوبي.

في العام الماضي، زار الرئيس الصيني شي جينبينغ الهند، ووقَّع مجموعة من الاتفاقيات، وصلت قيمتها إلى ما يقارب ال20 مليار دولار، وأكد الطرفان على ضرورة رفع مستوى التبادل بين البلدين، وبالفعل وصل التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن 71 مليار دولار في العام 2014، وهما يطمحان إلى وصول قيمة التبادلات إلى ال120 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة القادمة.

خلال الزيارة الحالية لنارندار مودي بين 14 و 16 مايو 2015، وقَّع مع نظيره الصيني لي كه تشبانغ 21 إتفاقية، بلغت قيمتها 22 مليار دولار، شملت بناء محطة حرارية صينية في الهند، وإستثمارات في مجالات التعدين والطاقة الشمسية والاتصالات وصناعة السينما، وفي قطاعات تجارية مُختلفة.

تُشير هذه الاتفاقيات بوضوح إلى رغبة جامحة لدى الطرفين بالتعاون في المجالات الاقتصادية. وكُلٌ منهما يرغبان بتعويض بعض الانكماش الخفيف الذي أصاب إقتصاديهما في العام الماضي، وبقيَ النمو بمعدل 7,5 في الهند، و7,3 في الصين، رغم تراجع أسعار النفط.

هذا التراجع كان  من المُفترض أن يؤدي إلى إرتفاع نسبة النمو في البلدين، لأنهما يعتمدان على إستيراد شبه كامل لهذه المادة من الاسواق الخارجية، وبالتالي فقد حققت الدولتان وفراً كبيراً من جراء إنخفاض مدفوعاتهما الخارجية ثمناً للنفط، دون أن يُساعد هذا الأمر بزيادة الناتج المحلي على وتيرة أكبر من السياق الذي يسير به النمو في البلدين منذ العام 2005.

أما في المجال السياسي، فقد بدى واضحاً أن الصين لم تعُد مُتمسِّكة بالتحالف مع باكستان – عدو الهند التقليدي – وهي ترى أن إرتفاع منسوب نفوذ الأميركيين والمُتطرفين في باكستان، يُساهم في إضعاف الثقة بمستقبل دور إسلام آباد، ويخلط الأوراق في تلك المنطقة المُضطرِبة. كما أن تزايد التأثير الأميركي في منطقة جنوب شرق آسيا، لا سيما في بنغلادش، وسيرلانكا، وفي النيبال في الوسط، يُثير المخاوف الهندية، ويدفعها بالمُقابل إلى تعزيز التعاون مع الصين، ذلك أن للبلدين مصلحة مُشتركة في تخفيف النفوذ الأميركي – الياباني في المنطقة إلى حدهِ الأدنى.

تبدو زيارة نارندار مودي إلى الصين هذه المرَّة تاريخية بكل المقاييس السياسية والإقتصادية والإستراتيجية، وساهمت في محو جزء كبير من الآثار المؤلِمة التي كانت تًعشعِش في زوايا العلاقات القديمة بين العملاقين الآسيويين.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان