عيد التحرير والمقاومة..بأي حال عدت ياعيد؟

بعد 15 سنة تعود ذكرى التحرير والمقاومة وكأن لبنان بضعفه وانقسامه وأزماته لا يزال قابعا تحت الإحتلال الذي خرج مهزوما في 25 أيار من العام 2000.

و على هامش الإحتفالات بعيد التحرير والمقاومة،ثمة من يحاول استخدام إرث المقاومة الوطنية النضالي والتزام الناس به منذ العام 1982 حتى العام 2000، لغايات واهداف تختلف كل الاختلاف عن الغايات والاهداف التي ناضل واستشهد من اجلها المقاومين من كل الأحزاب والأطياف السياسية من أجل اسقاط المشروع الإسرائيلي في لبنان ، لاسيما في ما خص مفهوم السلاح والمقاومة وعلاقة لبنان التعدد والتنوع بمحيطه العربي.

وانطلاقا من المقاومة الوطنية المتمسكة بالقرار الوطني الحر للبنان وهويته العربية و الملتزمة حقوق الانسان لأي امة او دين او مجتمع انتمى،هناك سؤال يطرحه الناس الطامحين إلى الأمن والإستقرار السياسي والإقتصادي والمعيشي والإجتماعي في بلدهم لبنان،حيث يردد هؤلاء بكافة أطيافهم وبمختلف مشاربهم الإجتماعية والسياسية جملة واحدة تقول  “عيد التحرير والمقاومة بأي حال عدت ياعيد”، حيث الأزمات والمعانات التي تواجه المواطن اللبناني من الجنوب إلى أقصى الشمال ومن أقصى البقاع شرقا إلى ضفاف البحر غربا لا تزال مستمرة ليس بفعل الإحتلال الصهيوني الذي دُحر وخرج مهزوما من الجنوب بقوة المقاومة الوطنية التي انطلقت من منزل المعلم الشهيد كمال جنلاط في العام 1982 لتحرر بيروت والجبل والإقليم وصيدا وجزين من جيش الإحتلال الإسرائيلي وصولا إلى الجنوب، بل أن هذه المعاناة سببها الخيارات الخاطئة لفصيل من المقاومة اختار بعد التحرير أن يتحول إلى ميليشيا عسكرية تاخذا أوامرها من الخارج وذلك على حساب سيادة لبنان وقدرته على بناء دولة المؤسسات والقانون القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتقدم والإزدهار لجميع أبنائه.

فبعد 15 سنة على تحرير الجنوب وأهل المقاومة لا يزالون يدفعون الأثمان من دماء ابناءهم و أمنهم واستقرارهم وحياتهم المعيشية والإقتصادية والإجتماعية ليس من أجل لبنان السيد الحر والمستقل بل من أجل خيارات وحسابات اقليمية كبرى لا طاقة لأهل المقاومة ولكل لبنان بكافة مكوناته الإجتماعية أن يتحمل وزر تداعياتها الكارثية، وما يجري اليوم من تدخل من قبل حزب الله في سوريا ليس سوى الدليل الساطع على وقع هول هذا التدخل الكارثي انسانيا على كل أبناء البيئة الحاضنة للمقاومة التي وجدت لتقاتل وتواجه اسرائيل لا من أجل أن تتحول إلى  ميليشيا مرتزقة توجه بندقيتها لمقاتلة قسم من الشعب اللبناني أو السوري أو اليمني أو العراقي أو المصري أو السعودي أو البحريني أو اي شعب آخر في هذا العالم طالما ان العدو الوحيد للبنان هو  اسرائيل فقط لا غير.

وبحسب أوساط متابعة فأن أهل الضاحية وبيروت والجبل والجنوب والبقاع يعيشون في حالة من الذهول أمام مسار الأحداث التي تأخذهم من مواجهات عبثية إلى تدخلات جهنمية لا تقدم سوى الإنتكاسات والخسائر الفادحة التي تستفيد منها اسرائيل بالدرجة الأولى، والتي لا تقدم للبنان وأهله سوى الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي ترهق كاهل أهله الذين يجدون أنفسهم بعد 15 سنة من التحرير والشعارات الرنانة الفارغة أمام كابوس التراجع على كل المستويات في حين أن المطلوب كان بعد انجاز التحرير هو أن ينعم لبنان منذ العام 2000 في فترة طويلة من الأمن والإستقرار والإزدهار بدل من أن يدخل البعض في أنفاق الإغتيالات والرهانات السياسية الهدامة والمدمرة والمظلمة التي تأخذ لبنان نحو أتون الإنقسامات والخلافات الطائفية والمذهبية التي تضرب وحدته الوطنية وعيشه الوطني المشترك ليصبح مجددا ورقة مساومة في لعبة الأمم الجهنمية التي لا تعير أي اعتبار انساني أو أخلاقي أو سياسي لمعاني التحرير الذي تحقق في العام 2000 في لحظة تاريخية كان عنوانها الأساسي اللحمة والوحدة الوطنية حول المقاومة الوطنية التي ما كانت لتحقق أي انجاز أو انتصار عسكري على اسرائيل لولا تلك البيئة الحاضنة الموحدة وطنيا ضد الإحتلال الذي هزم وخرج مقهورا ذليلا من لبنان بفعل هذه اللحمة والوحدة الوطنية التي هي في حقيقة الأمر من صنع النصر ، وهو ليس بنصر إلاهي أو نصر إقليمي لهذه الدولة أو ذلك النظام، بل هو نصر وطني لبناني قدم فيه الشعب اللبناني التضحيات الحسام من امنه واستقراره وبنيانه وعمرانه واقتصاده ودماء وأشلاء أبنائه من أجل أن يتحقق التحرير في العام 2000 .

مضيفة بأن اللبنانيين المتعاملين في العلن والسر مع مشاريع اقليمية كبرى منذ عقود طويلة تحت عنوان الصداقة وتبادل المنافع العسكرية والإقتصادية الضخمة من أجل قتال اسرائيل بدأوا اليوم يشعرون بالحسرة العميقة و بالخبية الكبيرة كيف أن تلك القوى الإقليمية التي ساعدتهم تحولت إلى سيد عليهم لتستخدمهم وقودا في الحروب العبثية التي تخدم أجندت مصالحها الإقليمية الإستعمارية التوسعية في المنطقة العربية التي كانت ولا تزال هدفا للمشاريع الإمبراطورية الكبرى الطامعة بموقع المنطقة العربية وثرواتها الطبيعية والنفطية الكبرى. فلذلك أن معاني تحرير الارض من رجس الإحتلال الصهيوني تحولت بعد 15 سنة إلى صراعات داخلية لبنانية سببها هذا الفريق اللبناني او ذاك لصداقة هذه الدولة الإقليمية أو معاداتها وذلك من دون مراعاة المصلحة الوطنية العليا للبنان وشعبه الذي يتحمل اليوم عواقب الصراع الجاري في المنطقة بين القوى الإقليمية الطامحة إلى تعزيز دورها وحضورها ونفوذها في المنطقة على حساب الضعف العربي الذي لبنان جزء منه، بحيث أن القوى الإقليمية التي تستفيد من انقسام اللبنانيين هي في نهاية المطاف تفاوض القوى الكبرى ليس من أجل ترسيخ وتعزيز استقلال لبنان وانجازه الكبير في تحرير الجنوب في العام 2000،بل هي تستخدم لبنان كما غيره من الساحات العربية الأخرى وسيلة من أجل استعادة وهج توسع نفوذ امبراطوريتها التاريخية في قلب العمق العربي امتدادا من صنعاء مرورا ببغداد ودمشق ووصولا إلى بيروت.

وتتابع بأن علة ما يشكو منه اللبنانيين عموما وأهل المقاومة خصوصا سببه السياسيات والإستراتيجيات التي تتحكم بها الأنا اللبنانية – الإقليمية المرضية التي فرضت إيقاعها الهزيل المتناقض على جميع القضايا العربية بدء من القضية الفلسطينية ووصولا إلى القضية السورية والعراقية واليمنية واللبنانية والمصرية والليبية وغيرها من القضايا العربية التي كانت هذه الأنا اللبنانية – الإقليمية بكل تناقضاتها حاضرة فيها بشتى عواقبها الوخيمة على وحدة العرب وقوتهم وعلى وحدة لبنان وأمنه واستقراره وسلمه الاهلي.

مشيرة بأن هذه الأنا اللبنانية – الإقليمية الماثلة في المواقف المتناقضة التي يعبر عنها بعض القادة اللبنانيين هي على سبيل المثال تارة تعادي السعودية والخليج العربي من دون أن تعير أي اهتمام لمصالح اللبنانيين في بلدان مجلس التعاون الخليجي وذلك تحت عنوان أن تلك الأنا هي تهادن وتؤيد الإنقلابيين في اليمن الذين بمنظارها الإقليمي هم من يمثل الشعب اليمني لا الشرعية اليمنية المنتخبة ، وتارة أخرى تعادي الشعب السوري تتآمر عليه مع النظام الذي يرتكب يوميا المجازر بأطفاله ونسائه وشيوخه وينكل بشبابه أشد تنكيل وتعذيب… وهذا ما  ادى بطبيعة الحال إلى أخذ لبنان بكافة مكوناته ومؤسساته السياسية والعسكرية والامنية إلى هذا الدرك من الأزمات والضعف والإرباك والإنقسام….وما نعانيه اليوم من فراغ رئاسي متمادي وخلافات حول تعيين القادة العسكريين ليس سوى مثال على نتائج تلك السياسة الخاطئة المستمرة منذ 15 سنة، وهي سياسة غيبية خالية من اي رؤية نهضوية تقدمية قادرة على تطوير ورزع مواطن القوة في الدولة اللبنانية القادرة وحدها على مواجهة كل التحديات والمخاطر الداهمة المهددة لمصالح جميع اللبنانيين وحريتهم وسيادة وطنهم.

____________________________

(*) الافتتاحية – هشام يحيى