لماذا الشيعي المختلف “خائن وعميل وغبي”؟

د. صلاح أبو الحسن

لفتني كما لفت الكثيرين في لبنان المنحى التصاعدي لخطابات السيد حسن نصرالله. كان المنحى التصاعدي في السابق ضدّ شركاء الوطن “الاعداء”.. لا مكان في الفكر “الثيوقراطي” للتنوع والاختلاف.. الآخر إما معنا أو ضدنا وبالتالي فهو “عدو”.. الثقافة “الإلهية” تنص على ذلك ونقطة على السطر.

بمعنى آخر فانه يقول، تذكّر يا “عدو” الداخل ما قاله الحجاج بن يوسف الثقفي: “إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.. وإني لصاحبها”.. هكذا يمكن تلخيصنا لخطبة السيّد الأخيرة.. وأضاف الحجاج: “وإني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى”.. وهكذا يمكن تلخيص خُطب حجّاج دمشق بشار الاسد منذ أربع سنوات..

كل خطابات الفكر “الثيوقراطي” متشابهة من ستالين إلى هتلر إلى الاسد إلى قاسم سليماني..

والمؤسف أن خطاب “السيد” الأخير يأتي في ذكرى مزدوجة: تحرير الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي.. وهذه ذكرى وطنية مشرّفة، وذكرى تحرير القصر الجمهوري من رئيسه.. وهذه ذكرى مؤلمة.. فيما صاحب الذكرى المزدوجة واحد..

أما “إعلان التعبئة العامة على كل الناس”.. من أجل دعم حجّاج سوريا، خدمة لمصالح ولاية الفقيه الايرانية، ضدّ شعبه في “معركة إسترداد الكرامة”.. بعد خسارته جسر الشغور وإدلب وحلب وأخيرا تدمر.. وخسارته أكثر من ثلثي سوريا، إضافة إلى كامل حدوده مع العالمين العربي والخارجي بإستثناء الحدود مع لبنان.. أو فلنقل حدوده مع حزب الله!

حزب الله

فهذا يدعو إلى الاستهجان والاستغراب.. وحبذا لو جاءت هذه “التعبئة” يا “سيّد” من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان!

وهو في هذه الحرب في سوريا، لا نعرف من يبشر.. هل الشيعة أم كل اللبنانيين؟ والسؤال: من فوضك أخذ القرار نيابة عن كل الشيعة وربما كل اللبنانيين. بعد أن صادرت قرار الحرب والسلم بداية ضدّ إسرائيل واليوم ضدّ الشعب السوري؟

والحمد لله أنه إعترف أخيرا بالشيعة المعارضين لسياساته وقراراته الجهنمية ولو أنه إتهمهم بـ”شيعة السفارة الأميركية”، ووصفهم بأنهم “خونة وعملاء وأغبياء”..

كان “فحص الدم” في السابق محصورا بفريق من اللبنانيين.. اليوم أعلن فحص الدم لشيعة أميركا.. ولكنه أعلن النتيجة سلفا بأنهم “خونة وعملاء وأغبياء”.

نعم، الاتهام بالعمالة والخيانة موجهة هذه المرة ضد أبناء الطائفة الشيعية الكريمة.. وربما تعكس كل هذه الاتهامات، تزايد الانتقادات والاعتراضات لنهجه وسلوكه وتوريط أبناء جلدته بحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل… فهل قدر هؤلاء إستقبال النعوش القادمة من سوريا كل يوم وإلى أبد الآبدين؟

كنا نرى أن الشهداء الذين قُتلوا في المعارك مع العدو الإسرائيلي بالزغاريد والزهور والتبريك.. فيما نرى نعوش الذين قُتلوا في سوريا، يُستقبلون بصمت وهدوء. لماذا؟

وبالمناسبة، هل هذا الخطاب الذي وُزعت فيه التهم جزافاً على الطائفة الشيعية وعلى كل اللبنانيين.. جاء ترجمة لرسالة السيد خامنئي التي نقلها السيد علي أكبر ولايتي.. خلال زيارته للبنان قبل بضعة أيام.. وقد تعودنا على مثل هذا التصعيد السياسي والعسكري بعد كل زيارة مشابهة؟

واللافت أيضا دعوتك “جماعة المستقبل” للتعاون والتنسيق معك في حربك إذا أرادوا.. فإلى متى ستستمر في توزيع الأدوار ضاربا بعرض الحائط دور الدولة والجيش والشعب؟

من أوكل إليك مهمة “التحرير” منفردا.. في سوريا.. بدأت حربك من أجل تحرير “المراقد المقدسة”.. ثم إنتقلت إلى الحرب الاستباقية.. ثم لمنع سقوط النظام الأسدي وبالتالي سقوط محور الممانعة. اليوم إنتقلت إلى المعركة “الوجودية”.. كان الصراع وجوديا مع إسرائيل.. فكيف إنتقل الصراع الوجودي إلى سوريا والعراق واليمن والسعودية.. وعليك أن تقول لنا على الاقل هل هي معركة “وجودية بالنسبة للشيعة أم اللبنانيين”؟

والقول أنه “لو لم نقاتل في حلب وحمص ودمشق، كنا سنقاتل في بعلبك والهرمل والغازية”.. كلام هراء بقصد التعبئة وشد العصب الذي بدأ يتحلّل.. فالكل يعرف أن الاسد ونظامه وزمرته لا مكان لهم في مسستقبل سوريا.. حتى روسيا بدأت بالتراجع.. وإيران ستبيع الأسد عبر صفقة “كبرى” فحرام عليكم أن تحولوا المقاومة البطلة ضد إسرائيل إلى “مرتزقة” تقاتل الشعب السوري المظلوم.

إعلان التعبئة العامة.. للقتال في سوريا وفي كل الأماكن.. ليس دليل قوة.. كنت تقول أنكم قادرون على حسم معركة القلمون خلال أيام.. واليوم نحن في الأسبوع الثالث.. وتقول أن المعركة طويلة.. وقد ننتظر ذوبان الثلج في الموسم القادم.. وأن “الحرب لو إستشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف.. سيكون هذا الخيار هو الأفضل”.. وتكرارا من أوكل اليك التضحية بنصف شعبك؟ هل يستحق “النصر الإلهي” المزعوم كل هذه التضحية. ومتى كان الله يفوّض بشريا بالقتل؟! كفى هراء..

كل هذا يعني المزيد من النعوش.. الغرق في الوحل أسهل بكثير من الخروج منه.. فإلى اي منزلق تأخذ الجنوب والبقاع وكل لبنان؟