سِجل الحسابات الاستراتيجية وسِجل الخلافات المحلية اللبنانية

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

يبدو أن معظم القوى الوازنة على الساحة اللبنانية تملك دفترين لحساباتها السياسية؛ في الدفتر الأول تُسجِّل الاعتمادات الخارجية، والخصومات والصداقات الناتجة عنها، وفي الدفتر الثاني تُسجِّل هذه القوى المعاملات المحلية التي تتعلق بشؤون التحالفات وحسابات التعامل مع مؤسسات الحكم، ومرافق الدولة. ويُشبه التعامل مع الوضعيتين الأعمال التجارية التي تريد الاحتفاظ بمكانتها المُتقدِّمة النزيهة من جهة، وبالتهرُّب من استحقاقات مواعيد دفع الضرائب من جهةٍ ثانية.

تلك الفرضية السياسية أكدها رئيس مجلس النواب نبيه بري، عندما صرَّح أمام لقاء الأربعاء النيابي أنه ليس لديه “خلافات إستراتيجية مع العماد ميشال عون، بل هناك خلافات على ملفات داخلية، تتعلق بإدارة بعض مصالح الدولة”. وهذه الملفات الداخلية واسعة ومُتشعِّبه، وتكاد تشمُل كل التفاصيل المحلية، من الموازنة- التي لا يُجاري العماد عون حليفه بري بالإسراع بإقرارها- إلى جلسات التشريع الضرورية- التي لا يوافق عليها نواب التيار الوطني الحر، إلاَّ بعد إدراج قانون الانتخاب، وقانون إستعادة الجنسية للمُغتربين من أصول لبنانية – إلى ملف التعيينات للقادة الامنيين- أو التمديد لهم- حتى في ملف انتخاب رئيس الجمهورية، يحضر النواب الموالين للرئيس بري إلى الجلسات التي لم يكتمل فيها النصاب، بينما يُقاطع النواب الموالون للعماد عون هذه الجلسات بالمُطلق، ووصلت هذه الخلافات البسيطة إلى حد عدم استقبال الرئيس بري للوفد العوني الذي جال على الكتل النيابية لشرح مبادرة رئيسه.

نستنتج من كل ما ذُكِر، أن دفتر حساب الخلافات المحلية سيُملىء، بينما لا نعرف ماذا سيُسجَّل في الدفتر الثاني المُخصَّص لحساب التوافقات الاستراتيجية التي تحدث عنها الرئيس بري. ربما ستكون صفحات الدفتر الثاني مُخصصة لتدوين الاعتبارات المُتعلِّقة بمحور “المُمانعة” من دون أن نعرف ما هي تفاصيل هذه الاعتبارات، إلا إذا كان الأمر يتعلق بما قاله رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في سياق تعليقه على الحُكم المُخفف على الوزير السابق ميشال سماحة، حول إستمرار تأثير التدخلات السورية وغيرها في الشؤون اللبنانية، أو إذا كان هناك بعض الأسرار نقلها المستشار الايراني علي أكبر ولايتي إلى القيادات المُمانعة، ولا تعرف عنها بقية القوى ايُ شيء.

الأطراف الفاعلة الأُخرى تبدو هي أيضاً تحمُل دفترين لتسجيل حساباتها السياسية. فتيار المستقبل لا يمكن أن يُسجِّل على دفتر التحالفات الاستراتيجية، أيا من الكلام الذي يقوله في حواره المُستمر والهادىء مع حزب الله، ذلك بالتأكيد سيُكتب على الدفتر الثاني الذي يحوي إعتبارات الاستقرار المحلي، فوق الخلافات الساخنة الاستراتيجية.

أمَّا القوات اللبنانية فهي أيضاً وأيضاً ملأت صفحات دفتر الحسابات الوجودية بكلمات الحوار القائم بينها وبين التيار الوطني الحُر، إلا أن الدفتر الآخر فاضي الوفاض، بحيث تبدو الخلافات الاستراتيجية والتكتكية واسعة جداً بين الفريقين، حول ملفات الصداقات الخارجية، وحول انتخابات الرئاسة، وبالتأكيد حول رؤية كُل منهما لموضوع الموازنة وللتعيينات في قيادة الجيش وقيادة قوى الامن الداخلي.

لا نستطيع تناول دفاتر الحسابات السياسية لكل القوى الفاعلة، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن حسابات حزب الله المُتعدِدة، لا يمكن جمعها في سجلٍ واحد، ذلك أن تشعبات هذه الحسابات الجنوبية والشرقية، إضافة لإرتباطاتها الخارجية، لا تُقيَّد في دفترٍ واحد مع الحسابات والاعتبارات الداخلية، وفي هذه الاخيرة يستدعي الحزب القوى الشرعية بقوة إلى مناطق نفوذه ولظبط اخصامه من جهة، ويُشكِك بدور هذه القوى الشرعية، أو يتجاوزها ويتجاهل دورها في مناطق أُخرى.

يبدو أن كل الأطراف السياسية المخُتلفة تُدرِك خطورة الإنفلات، وهي تُريد الحفاظ على الإستقرار ووحدة الدولة، رغم أن هذه الأطراف لا تتفق على شيءٍ بواقع الحال، وفي هذه الحالة، فمَسكُ الدفترين، وتسجيلُ الحسابين، مشروعٌ، لأن الضرورات تُبيحُ المحظورات.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية