مأزق بلا مخرج لا سياسي ولا عسكري
رفيق خوري (الانوار)
23 مايو 2015
الرئيس باراك أوباما يتحدث على الطريقة العربية في التخفيف من حجم الفشل. فما رآه في سقوط الرمادي وتدمر على يد داعش هو مجرد انتكاسة تاكتيكية. وما يستعجله هو خطوات تاكتيكية مطلوبة من الحكومة والمجلس النيابي في بغداد ومن موفده الخاص الجنرال المتقاعد جورج آلن ضمن التكيف مع عملية طويلة الأمد في ما يسميه استراتيجية لمحاربة داعش. لكن اللعبة في العراق، بصرف النظر عن اعتماد اوباما على صدق حيدر العبادي، محكومة بتراكم أخطاء وسياسات قاتلة: خطأ الرئيس بوش الابن في الغزو وحل الجيش، خطأ أوباما في الانسحاب من دون الالتفات الى ما يحدث أمنياً بعده، سياسة نوري المالكي في تهميش السنّة والخلاف مع الأكراد وبناء جيش فئوي بولاء شخصي، مضاعفات النفوذ الايراني المتعاظم، وأجندة داعش الأوسع من كل أهداف القوى التي توظف التنظيم الارهابي.
أما اللعبة في سوريا، فإنها تغيرت بأكثر مما تصور المراهنون على كل أنواع السيناريوهات: سيناريو الحل العسكري، سيناريو الحل السياسي، سيناريو ترك الوقائع المرعبة تضع الجميع أمام خيار محدد بين داعش والنظام، سيناريو إغراق سوريا بمقاتلين من ثمانين بلداً يحارب بعضهم ضد النظام وبعضهم الآخر الى جانبه. وسيناريو تدريب معارضين معتدلين وتسليحهم لدفع دمشق الى تغيير الحسابات.
ذلك ان عسكرة الصراع قادت الى عكس الحسابات التي بنيت على الخيار العسكري، سواء لجهة انتصار النظام أو لجهة انتصار المعارضين ضمن التمسك بوحدة سوريا. فلا الصراع الذي أخذ عنوان الانتقال الديمقراطي للسلطة بقي بين السوريين وحدهم. ولا التسوية بقيت في أيدي السوريين وحدهم.
ومعاودة الأميركان والروس التشاور للبحث في اعادة فتح الطريق الى التفاوض على حل سياسي هي، مثل الدعوات الفرنسية والمشاورات التي يجريها الموفد الدولي دي ميستورا، تقطيع وقت. فالرئيس اوباما لم يكتم القول قبل ايام انه لا يتوقع رؤية حل سياسي في سوريا خلال المدة الباقية من رئاسته. ومَن يفاوض مَن على الحل السياسي، حيث داعش يسيطر على نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق، ونصف الشعب السوري نازح في الداخل ودول الجوار؟ وأي خيار بين النظام وداعش بعدما صارت وحدة سوريا حلماً في كابوس سوريا المدمرة، وبدأت ترتسم خطوط التقاسم الواقعي للأرض والشعب؟
ليس أخطر من الطرق العسكرية التي تقدمها جغرافيا تدمر للتنظيم الارهابي سوى الحسابات التي أغلقت ولا تزال المسالك السياسية للخروج من المأزق. والأخطر هو الدوران الدموي في أزمة لم تعد قابلة للحل السياسي ولا للحل العسكري.