رسم خطوط التماس في سوريا «لدولتين» بدأت

أسعد حيدر (المستقبل)

على من نطلق الرصاص؟ هذا السؤال المحير والحائر الذي يواجهه الغرب من واشنطن الى باريس، أمام «انتصارات» «داعش» الأخيرة التي جعلته يسيطر على حوالى 50% من أراضي سوريا، تاركاً للنظام الأسدي حوالى ربع سوريا والربع الأخير «للنصرة» ومختلف التنظيمات الجهادية والمسلحة؟

مجموع انتصارات «داعش» والمعارضة، لا تشكل انتصاراً كبيراً يلوي يد النظام الأسدي ولا تغييراً استراتيجيًّا يجير القوى الحليفة للنظام أي طهران وموسكو على تغيير موقفها في تأييدها ودعمها للأسد. لكن هذه الانتصارات تكسب نقاطاً، تراكمها مهم للبناء عليها لاحقاً.

بشار الأسد حقق انتصاراً كبيراً رغم أنه انتصار سلبي قائم على الهدم والدمار. هذا الانتصار جزء من استراتيجية مدروسة ومخطط لها ببراعة في طهران وموسكو يقضي بوضع الغرب من واشنطن إلى باريس أمام خيارات أحلاهما علقم وهما: العودة الى الأسد واحتضانه والتعامل معه كمنقذ. أو التعامل مع «داعش« كواقع لا مجال للرد منه. أو الدخول في الحرب مباشرة. بوضوح أكثر الاختيار بين «الكوليرا« و«الطاعون«. ما ذلك إلا لأن الرئيس باراك أوباما تمنّع منذ البداية عن تقديم ما يلزم من «المضادات الحيوية» لمواجهة هذين الداءين.

لا شك أن الأسد سيسلّم تدمر إلى «داعش»، ليصبح الخطر أكبر ماثلاً أمام الغرب. الخوف على تدمر أصاب العالم، في قلبه وعقله وذاكرته إصابة مباشرة جعلته يستيقظ من حالة «المشاهد التلفزيوني». في 2 حزيران القادم ستتم مناقشة مفتوحة في باريس يحضرها جون كيري. لا يبدو أن شيئاً سينتج عن هذا المؤتمر رغم كل الجهود الفرنسية الرسمية. الرئيس فرنسوا هولند صادق في مساعيه. المشكلة أن سقوط تدمر المبرمج اخترق «جبهته» الداخلية. قوى يمينية ويسارية عديدة تسأل طالما لا نستطيع أن نعرف على من نطلق الرصاص فلماذا لا نتعاون مع الأسد ونفرض حلاً سياسياً يخلص العالم من «داعش»؟

220 ألف قتيل سوري سقطوا حتى الآن في «الحروب»، والحل ما زال بعيداً. الأسد لا يهمه ماذا يبقى من سوريا، المهم أن يبقى هو الى الأبد، وإذا كان لا يمكنه استعادة كل سوريا فلتكن «دولة« تمتد من دمشق الى كسب. ما يجري من «حروب» صغيرة حالياً، هدفه رسم خطوط واضحة لتقسيم سوريا بين «دولة أسدية» و»دولة داعشية« متقاتلة مع باقي الفصائل وعلى رأسها «النصرة».

المعارضة بعد أربع سنوات ازداد تشرذمها وتقاتلها، وهي حتى الآن بلا برنامج سياسي تقول فيه لماذا تقاتل وماذا تريد. «داعش» يريد «دولة الخلافة». مع كل «جريمة» يرتكبها ضد الانسانية والثقافة والذاكرة التاريخية، وضد الماضي والمستقبل في وقت يلغي فيه الحاضر ويجعله جسراً للعبور الى الظلام يتضمن رفض العالم له.

أما القوى الخارجية، فإن طهران دفعت الكثير في مسار استنزف الكثير من قواها وهي لم تعد تكتم حجم استثمارها البشري والمالي، الذي دفعها للتضحية بالمقاومة وتحويلها الى «بندقية» في خدمتها، واستجلاب مرتزقة أفغان في فيلق «الفا

ميين» مع وعد بإسكانهم في «جنة» الدولة الأسدية لاحقاً ومؤخراً استقدمت «الزينبيّون» من باكستان، طهران ستقاتل بالأسد حتى اللحظة الأخيرة من صوغ الحل للحصول على الكثير مما تريد خصوصاً أنها كانت تمتلك «نفوذاً غير قابل «للمنافسة» وهي مستقبلاً مضطرة للشراكة».

موسكو تعمل على إعادة الشرعية للأسد حتى ولو كانت عالية الثمن. لم تعلن حتى الآن ماذا تريد لكن من حركتها تبدو وكأنها ستفاوض على دمشق وقلبها في طرطوس وعقلها في أوكرانيا.

استراتيجية واشنطن كاملة وقابلة للاستمرار حتى نهاية «المرحلة الأوبامية». إدارة الحرب من بعيد الى بعيد بحيث لا تدفع من جيبها دولاراً واحداً ولا قطرة دم جندي وتحقيق هدفها في استنزاف قوى الداخل والخارج حتى ما بعد جلوسهم إلى الطاولة.

تبقى تركيا التي تريد ضمانات بأن يبقى الأكراد في سوريا ضمن «سوريا» بعيداً عن الاستقلال مع نفوذ لها داخل دمشق. وهذا لن يتم ما لم تتفاهم مع الرياض وقطر حول التفاصيل.

التفاؤل ممنوع في سوريا. «البركان ما زال غنيّاً بالحمم والنار. وما زال «اللاعبون» الخارجيون يملكون الكثير من «البيادق» والأحصنة«. أما «اللاعبون» من الداخل فلا أحد يحسب حسابهم حتى «داعش» وهو ينتصر يتم استثمار انتصاره لرسم المرحلة المقبلة من الصراع.