ما حقيقة وجود لبنانيين محررين من سجن تدمر في سوريا؟

مرة جديدة يعود ملف اللبنانيين المفقودين في السجون السورية بكل آلامه وأوجاعه وحرقته في قلوب الأهالي إلى صدارة الواجهة بعد توارد الأخبارعن وجود لبنانيين محررين من سجن تدمر بعد أن تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من اجتياح مدينة تدمر بكاملها ودخوله السجن التاريخي الرهيب للنظام السوري في تدمر الذي هناك شهادات موثقة بأنه كان يصم في أقبية زنازينه الوحشية معتقلين لبنانيين منذ حوال 35 سنة الأمر الذي يدحض ويسقط رواية نظام الأسد للبنانيين وخصوصا خلفائه في لبنان في أن سجونه خالية من وجود أي معتقل لبناني.

فبعد سقوط تدمر بيد “داعش” وانسحاب وحدات الجيش الأسدي وشبيحة النظام منها، ترددت معلومات عن امكان ان يكون التنظيم اطلق المعتقلين الموجودين في سجن المدينة. وتحدث بعض وسائل الاعلام عن وجود بعض اللبنانيين من المفرج عنهم، الا انه لم يتم التأكد من صحة الخبر ولم ينشر التنظيم اي صورة عن الموضوع كما فعل في الرمادي.

الى ذلك ، اعلن المركز الاعلامي لمدينة تدمر التابع للمعارضة السورية انه “وردنا الكثير من الأسئلة من متابعي الصفحة عن مصير السجناء داخل سجن تدمر وفرع الأمن العسكري وبخصوص ذلك نكرر تأكيدنا أن النظام الأسدي أفرغ سجن تدمر في الآونة الأخيرة من كل السجناء على مدى أسبوع وعدة دفعات ولم يكن أي سجين بالداخل عند دخول عناصر التنظيم إليه” .

وبطبيعة الحال فأن الخبر الذي تلقاه لبنان في الأمس بخصوص تحرير 27 معتقلا لبنانيا من سجون النظام السوري في تدمر قد رفع منسوب الامل لدى الاهالي بعودة ابنائهم واقاربهم بعد غياب 35 عاما في منفى العذاب والظلم، وفيما لم تتأكّد صحة الخبر حتى الساعة، اشارت مصادر في اللجنة الوطنية المسؤولة من قبل الدولة اللبنانية متابعة ملف المعتقلين الى “ان العمل يتم على قدم وساق، كاشفة عن اتصالات مكثفة تجري وستستتبع في الساعات القليلة المقبلة بالعمل على مرحلتين، الاولى التأكّد بشكل تام من حقيقة الخبر، والثانية مقارنة الاسماء لمعرفة ما اذا كانت موثقة ضمن اللائحة الرسمية المعترف بها”، معلنة ان “النبأ اثار بلبلة في صفوف الاهالي الذين ينتظرون اي خبر عن ابنائهم او اقاربهم، خصوصا انه جاء بتوقيته في ظل الصراع القائم في سوريا”، وكشفت المصادر عن اتصالات تجريها مع المجلس اللبناني- السوري الاعلى لمعرفة ملابسات الحقيقة، وسط تضارب المعلومات”.

وأعلن رئيس جمعيّة المعتقلين اللبنانيّين في السجون السوريّة علي أبو دهن ان اتصالات عدة تلقتها اللجمعية للتأكد من صحة الخبر، خصوصا من قبل الاهالي الذين لم يقطعوا الامل بعودة ابنائهم واقاربهم بعد سنوات من الظلم والعذاب”، لافتا الى ان التواصل مستمر مع الجميع لاستقاء معلومة ما من اي شخص يتابع الموضوع، خصوصا ان الجمعية لا تتعامل مع اي من التنظيمات المسلحة، لقطع الطريق امام اتهامات من هنا او هناك”.
وكشف ابو دهن في حديث صحفي الجمعية ستقوم بالمستحيل لمعرفة مصير المعتقلين، داعيا الدولة اللبنانية الى التحرك والطلب من الصليب الاحمر الدولي العمل على التواصل مع التنظيمات المسلحة خصوصا “داعش” ليدقق في صحة الخبر، او ان تسعى مع الدولتين التركية والقطرية لمعرفة مصير المحررين”.
ولفت أبو دهن الى أنّ معظم السجناء اللبنانيّين في تدمر دخلوا الى السجن في الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، كاشفا عن ان الاحصاءات المتوفرة لدى الجمعيّة تؤكد وجود 628 معتقلاً لبنانيّاً على قيد الحياة في السجون السوريّة.و في السياق نفسه قال ربيع خوند ابن المعتقل بطرس خوند: لدينا معلومات ان والدي في سجن تدمر ونتابع خبر اطلاق معتقلي السجن ونأمل خيرا”.

من جهته، اعلن رئيس جمعية “سوليد” غازي عاد ان لا معلومات دقيقة حيال تحرير المعتقلين، خصوصا ان الجيش السوري كان يتعمّد في كل مرحلة من الحرب افراغ السجن ونقل المعتقلين الى مكان غير معروف، وهذا ما حصل في تدمر”.وطالب عاد الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها والقيام بواجباتها، لافتا الى ان ما حصل ضجة اعلامية غير مبررة.

وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق نفى اي معلومات لديه عن تحرير معتقلين لبنانيين من سجن تدمر، مؤكدا العمل لمعرفة مدى دقة الخبر، موضحا عبر مكتبه الاعلامي “ان أحمد الأيوبي الذي اعلن عبر قناة “سكاي نيوز” أن السجناء اللبنانيين داخل سجن تدمر تحت سيطرة “داعش” وتم الإفراج عنهم، وقد يتوجهون إلى تركيا، ليس مستشاره كما قيل، بل رئيس لجمعية مدنية سبق ان تطوع بصفته هذه للقيام باتصالات بين الوزير وبين جهات دينية لبنانية محددة دعما للسلم الأهلي في مدينة طرابلس، لا أكثر ولا أقل”.

بدورها، أكدت رئيسة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين وداد حلواني “أن الخبر غير دقيق وغير مؤكد حتى الساعة”.
وكان بعض وسائل الاعلام تناقل معلومات نسبت الى تنظيم الدولة الاسلامية عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تفيد بان “داعش” حرر 27 لبنانيا من سجن تدمر بينهم خمسة من المسيحيين المسجونين منذ 35 عاما، الامر الذي أدّى الى بلبلة في صفوف أهالي المخطوفين الذين بادروا الى التحرك سريعا رافعين لافتات تطالب الدولة بالاسراع في التأكد من صحة الخبر”.

وتعليقا على الخبر، قال رئيس “حركة التغيير” عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار ايلي محفوض أنّ ما يجري في سوريا يعنينا بقدر ما يعني حقوق الانسان، ولكن الموضوع الأبرز اليوم ما يجري في مدينة تدمر حيث يقع أخطر وأبشع معتقل عرفته البشرية لناحية ضروب الوحشية والتفنّن بالتعذيب وهناك يقبع أولادنا المعتقلون منذ سنوات .وأبدى خشيته على مصير هؤلاء المتروكين والمهملين منذ سنوات وقد باتت قضيتهم في غياهب النسيان”، قائلا “اليوم استجدّ جديد هو أن تدمر تشهد معارك وحروباً ما يعني طبعا أنّ المعتقل هناك سيكون جزءا من هذه المعارك وأبناءنا اللبنانيين المخطوفين والمعتقلين من قبل النظام السوري سيكونون عرضة لمصير مجهول، من هنا أتوجّه الى الحكومة اللبنانية بكل تلاوينها وانتماءات المنضوين فيها للتحرّك سريعا من أجل تأمين الحدّ الأدنى من توفير السلامة والأمان لأولادنا هناك، ولا شيء يمنع اللجوء الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل هذا الملف الإنساني، الجدير ذكره أن سجن تدمر يضم حوالي العشرة آلاف معتقل عشرات اللبنانيين من عدادهم”.

تجدر الإشارة ، بأن سجن تدمر هو سجن عسكري يقع بالقرب في مدينة تدمر الصحراوية وبالقرب من آثارها الشهيرة, نحو 200 كلم شمال شرق العاصمة السورية دمشق. افتتح عام 1966 م، وهو في الأساس سجن مخصص للعسكريين والسياسيين وتشرف عليه الشرطة العسكرية   ، وقد شهد سجن تدمر واحدة من كبريات المجازر التي وقعت أوائل ثمانينيات القرن العشرين. وقد نفذت المجزرة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وتحديدا بتاريخ 27حزيران 1980 م، وأودت بحياة مئات السجناء من مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية، غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين المعارضة.

وكما هو معلوم وموثق بالشهادات والأدلة القاطعة، ذلك السجن كان ولا يزال النظام السوري من عهد الأب إلى الابن الضال وحتى قبل ساعات قليلة من سقوطه بيد الدولة الإسلامية يمارس فيه ابشع جرائم التنكيل والتعذيب والقمع والذل بحق مئات السجناء الأبرياء من السياسيين والصحفيين واهل العلم والفكر واصحاب الرأي الحر الذين جرى زجهم في ذلك الجحيم لمجرد أن أراءهم وتطلعاتهم نحو الحرية والكرامة تشكل خطر داهما على نظام الأسد وهذا أمر بذهنية ذلك النظام القمعي الوحشي الديكتاتوري يستحق السحق والبطش بكل الوسائل الهمجية والبربرية .و لسجن تدمر وأخباره المروعة أثار نفسية مرعبة في ذاكرة ووجدان المواطن اللبناني والسوري وكل أنسان قرأ واطلع على قصص وروايات سجن تدمر الرهيب الذي ينطبق عليه وصف جهنم على الأرض، استنادا إلى الأخبار التي يرويها القلة من السجناء الذين خرجوا شبه أحياء من أقبية ذلك السجن الذي اعتاد بأن لا يخرج السجين منه سوى مقطعا مشوها نحو القبر.

______________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى