ما هي الجريمة الحضارية الجديدة التي يخطط لها نظام الأسد في “تدمر”؟

تدمر هي إحدى أهم المدن الأثرية عالميآ لها شهرتها ومكانتها، تقع في وسط سوريا، وهي مدينة ذات أهمية تاريخية حيث كانت عاصمة مملكة تدمر وتبعد 215 كيلومتر عن مدينة دمشق إلى الشمال الشرقي منها، وتقع على بعد 150 إلى الجنوب الغربي من نهر الفرات و160 كيلومتر شرق مدينة حمص.

وتعرف حاليا في سوريا باسم “عروس الصحراء”، وتدمر هي أقدم تسمية للمدينة وقد ظهرت في المخطوطات البابلية التي وجدت في مملكة ماري السورية على الفرات وتعني “بلد المقاومين” باللغة العمورية و “البلد التي لا تقهر” باللغة الآرامية السورية القديمة، ارتفع شأن المدينة بعد أن أصبحت عاصمة لمملكة من أهم ممالك الشرق مملكة تدمر ونافست روما وبسطت نفوذها على مناطق واسعة واتصفت تدمر بغناها الكبير وكانت مركزآ تجاريآ، واليوم هذة هي تدمر تتميز بأثارها الرائعة التي تدل على عظمتها وما وصلت اليه في سالف الزمان، تنتشر أثار تدمر على مساحة واسعة وتتكون من شوارع ممتدة تحيط بها الأعمدة وبوابات ومعابد ومسرح وحانات واكرابول وتتراتيل ومساكن وقصور وخزانات ومدافن وقلعة تاريخية.

وفي المدينة متحف تدمر التي يضم اثار المدينة العريقة من تماثيل مجسمات ومخطوطات ونقوش ولقى أثرية هامة وكذلك متحف التقاليد الشعبية الذي يجسد تراث البادية والحياة لسكان تدمر، ويقام في المدينة مهرجان سياحي سنوي تتفاعل فيه الانشطة الفنية بمشاركة فنانين سوريين وعرب وفرق فنية وتقام العروض والمسابقات التراثية والفلكلورية من سباقات للهجن وعرض للخيول العربية الاصيلة وغعاليات ثقافية وادبية وسهرات سياحية.

ولمدينة تدمر السورية رمزية لأثار مرعبة ومروعة في نفوس العديد من اللبنانيين، وهذه الرمزية سببها سجن تدمر الرهيب للنظام السوري الذي ينطبق عليه وصف جهنم على الأرض، استنادا إلى الأخبار التي يرويها القلة من السجناء الذين خرجوا شبه أحياء من أقبية ذلك السجن الذي اعتاد بأن لا يخرج السجين منه سوى مقطعا مشوها نحو القبر.

ففي ذلك السجن كان ولا يزال النظام السوري من عهد الأب إلى الابن الضال يمارس ابشع جرائم التنكيل والتعذيب والقمع والذل بحق مئات السجناء الأبرياء من السياسيين والصحفيين واهل العلم والفكر واصحاب الرأي الحر الذين جرى زجهم في ذلك الجحيم لمجرد أن أراءهم وتطلعاتهم نحو الحرية والكرامة تشكل خطر داهما على نظام الأسد وهذا أمر بذهنية ذلك النظام القمعي الوحشي الديكتاتوري يستحق السحق والبطش بكل الوسائل الهمجية والبربرية.

وسجن تدمر هو سجن عسكري يقع بالقرب في مدينة تدمر الصحراوية وبالقرب من آثارها الشهيرة، وعلى نحو 200 كلم شمال شرق العاصمة السورية دمشق. قد  افتتح عام 1966، وهو في الأساس سجن مخصص للعسكريين والسياسيين وتشرف عليه الشرطة العسكرية، وقد شهد سجن تدمر واحدة من كبريات المجازر التي وقعت أوائل ثمانينيات القرن العشرين. وقد نفذت المجزرة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وتحديدا بتاريخ 27 حزيران 1980 م، وأودت بحياة مئات السجناء من مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية، غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين المعارضة.

فإذا كان سجن تدمر هو جريمة نكراء بحق الإنسانية والحضارة والثقافة على اطلاقها برسم سجل نظام الأسد الأسود الحافل بشتى أنواع جرائم الحرب وضد الإنسانية بالإضافة إلى جرائم الإرهاب والإغتيال التي ذاق منها لبنان الأمرين في فترة وصاية ذلك النظام على لبنان حيث مارس شبيحة أجهزته ومخابراته على اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم وسائل القمع والقهر والظلم نفسها التي يمارسها ذلك النظم بصورة منهجية على الشعب السوري. وضمن هذا المسار، هناك جريمة حضارية جديدة يريد النظام أن يضيفها إلى سجله الأسود الإجرامي، وهذه الجريمة تتمثل بالتخطيط لسحق وتدمير ونهب آثار مدينة تدمر الأثرية التي تشكل امتداد لحضارات انسانية تاريخية عريقة، سيما  أن مدينة تدمر هي مدرجة على لائحة تراث “اليونيسكو”، وتضم آثارا قديمة بهندسة تمزج بين الحضارتين الرومانية واليونانية.

وفي هذا السياق يقول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إن النظام السوري يؤلف مشهداً إجرامياً جديداً يؤدي أدواره عناصر “داعش”، مع اقتراب التنظيم المتطرف من السيطرة على مدينة تدمر الأثرية المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي.

وصرح سالم المسلط، الناطق الرسمي باسم الائتلاف السوري، بأن “سلوك النظام في تلك المنطقة يكشف عن نواياه”، وأنه مرتاح إلى الكارثة الحضارية التي يمكن أن يرتكبها تنظيم داعش في المدينة الأثرية، متأملاً أن توفر تلك الكارثة غطاء للخسائر التي يتكبدها على مختلف الجبهات، وتحجب جانباً من الضوء عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها، إضافة إلى أن الفوضى التي يفتعلها هناك ستفسح المجال لأزلامه ولدائرته الضيقة أمام نهب ما يمكن من الآثار بقصد بيعها”. وأضاف المسلط أن الائتلاف الوطني يحذر من المخاطر التي ستنجم عن تنفيذ هذه الخطة بحق المدينة الأثرية، ويطالب منظمة اليونسكو بالتحرك العاجل لحماية المدينة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لدق ناقوس الخطر وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته.

وبدوره، قال مدير المرصد، رامي عبدالرحمن: “بات مقاتلو التنظيم على بعد كيلومتر واحد من الموقع الأثري في مدينة تدمر”، التابعة لمحافظة حمص. ويشتهر الموقع الأثري القائم في جنوب مدينة تدمر بأعمدته الرومانية ومعابده ومدافنه الملكية. وأوضح عبدالرحمن أن “النظام أرسل تعزيزات عسكرية إلى تدمر فيما يقصف الطيران الحربي محيط المدينة”، مضيفاً أن “الاشتباكات بين قوات النظام ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية تدور في شمال وشرق وجنوب المدينة”.

وفي تصريح آخرقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس “بأن مقاتلي اتنظيم الدولة الإسلامية تمكنوا من السيطرة على حقلي الهيل والأرك لإنتاج الغاز الواقعين بين تدمر وبلدة السخنة” التي سيطر التنظيم عليها بعد ساعات من بدء هجومه نحو تدمر. ويبعد حقل الهيل نحو أربعين كيلومترا عن مدينة تدمر، فيما يبعد حقل الأرك نحو 25 كيلومترا.

ويستخدم النظام الغاز المنتج في الحقلين في محطات توليد الكهرباء في حمص وفي مناطق أخرى خاضعة لسيطرة النظام. ويعد حقل الهيل الحقل الثاني لإنتاج الغاز في محافظة حمص بعد حقل الشاعر الخاضع لسيطرة قوات النظام، بحسب رامي عبد الرحمن.

وتجدر الإشارة بانه لمعركة تدمر أهمية إستراتيجية للتنظيم، اذ تمهد له الطريق نحو البادية السورية المتصلة بمحافظة الأنبار العراقية. كما أنها مهمة من الناحية الدعائية، كون المدينة محط الأنظار عالميا بسبب آثارها، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) لطلب تحرك مجلس الأمن، خوفا من تكرار التنظيم تدمير مواقع أثرية في مناطق سيطرته في شمال العراق.

___________________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى