ما حقيقة “المبادرة” الفرنسية لفلسطين؟

ماهر الشريف

في 12 أيار 2015، أعلن الرئيس محمود عباس على هامش زيارته لتونس أن الفرنسيين يريدون أن يقدموا باسم الفلسطينيين (ولماذا ليس باسمهم؟) مشروع قرار إلى مجلس الأمن، وأضاف: “نحن نرحب طبعاً بهذه الجهود، ولكن هناك لجنة عربية من خمس دول هي المكلفة متابعة الأمر مع فرنسا ومع غيرها من الدول”. وعن مضمون هذه المبادرة، أشار إلى أنها ستقترح، عبر قرار يصدره مجلس الأمن، “مبادئ لحل الصراع تشمل حدود الرابع من حزيران مع تبادل أراضٍ، والقدس عاصمة للدولتين، وجدول زمني لإنهاء الاحتلال، ومؤتمر دولي للسلام”.

وفي صباح الخميس في 14 أيار الجاري، كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن خلافات بين فرنسا وإسرائيل على خلفية هذه المبادرة، مشيرة إلى أن المباحثات الاستراتيجية التي عقدت في القدس بين وفدين عن وزارتي الخارجية في البلدين تحولت إلى صراع غير مسبوق بين الطرفين واتهامات متبادلة. إذ اتهم الدبلوماسيون الإسرائيليون فرنسا بأنها تقف وراء المبادرة الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات ووضع العلامات عليها، كما اتهموا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بأنه هاجم إسرائيل واتهمها بتنفيذ مذابح في غزة. وأبدوا عتبهم على الحكومة الفرنسية التي تتشاور حول مبادرتها مع الفلسطينيين والدول العربية وبعض أعضاء مجلس الأمن في باريس ونيويورك، لكنها تستثني إسرائيل من هذه المشاورات. بيد أن الوفد الفرنسي المشارك في المباحثات رد بالقول بأن التحرك بخصوص المبادرة لا يزال في بدايته وأنه عندما يبرز شيء جدي سيعرضونه على الإسرائيليين، وأن التوجه إلى مجلس الأمن هو في مصلحة إسرائيل، وأنهم سيتقدمون بمشروع قرار لإطلاق عملية السلام يكون مناسباً للفلسطينيين والإسرائيليين على السواء.

فما حقيقة هذه “المبادرة” الفرنسية التي كثر الحديث عنها مؤخراً؟ وما هو مضمون البنود التي ستتضمنها؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء لاستجلاء طبيعة المواقف الفرنسية الأخيرة إزاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وبخاصة بعد الإعلان، في نيسان 2014، عن فشل المفاوضات بين الطرفين التي رعاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وبعد تكشف النتائج المأساوية التي خلفها العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
في لقاء جمعه مع الرئيس محمود عباس في شهر أيلول 2014، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: “ينبغي علينا أن نقول بوضوح، من خلال قرار سيُقدم إلى مجلس الأمن، ماذا ننتظر من عملية السلام وكيف يجب أن يكون حل النزاع”. ومنذ ذلك الحين، بدا واضحاً أن فرنسا تحضّر لتقديم مبادرة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بعد شعورها بأن الولايات المتحدة الأميركية باتت منهكة نتيجة الجهود التي بذلتها بهدف التوصل إلى مثل هذا الحل، كما هي منشغلة كلياً بالمفاوضات مع إيران وبالحرب على “الدولة الإسلامية”.

France-Palestinians

لكن ما حصل بعد ذلك هو أنه عوضاً عن تقديم مشروع القرار الفرنسي إلى الأمم المتحدة، شرع الفلسطينيون ببلورة مشروع قرار خاص بهم، وقدموه عن طريق الأردن إلى مجلس الأمن في نهاية كانون الأول 2014. وكما هو معروف، لم يمر مشروع القرار الفلسطيني، إذ لم يحصل سوى على أصوات ثمانية أعضاء، كانت فرنسا من بينهم، بينما عارضه عضوان، وامتنع عن التصويت خمسة أعضاء.

قبل ذلك، كانت المجموعة الاشتراكية في البرلمان الفرنسي قد تقدمت في 28 تشرين الثاني 2014، بمشروع قرار يدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المعلنة. وهو المشروع الذي جاء بعد تصويت البرلمان البريطاني وقرار الحكومة السويدية بالاعتراف بدولة فلسطين. وفي 4 كانون الأول 2014، صوت البرلمان الفرنسي على مشروع هذا القرار الرمزي وغير الملزم، إذ أيده 339 نائباً، بينما عارضه 151 نائباً.

ومنذ مطلع ربيع هذا العام، شهدنا تصاعداً في الحديث عن “المبادرة” الفرنسية، أعقب إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية ومواقفه خلال حملته الانتخابية بأنه لن يكون، في عهد ولايته الجديدة، دولة فلسطينية مستقلة:

ففي تصريح لصحيفة “الرياض” في 12 نيسان 2015، أعلن وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس:” إن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي يستجيب لتطلعات الجانبين. فالفلسطينيون لهم الحق بدولة ديمقراطية سيدة وقابلة للحياة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل. لكن هذا الحل مهدد اليوم بفعل تطور الاستيطان، وغياب أفق سياسي ووضع غير محتمل في قطاع غزة بعد مأساة الصيف الماضي. وقناعتنا أن علينا تطوير منهج التوصل إلى هذا الحل”.

وفي لقاء مع جمعية الصحافة الأنغلو-أميركية في باريس في 16 نيسان 2015، أعلن فابيوس نفسه:”لا بد، من جهة، من وضع معايير لمفاوضات ذات مصداقية كي نتجنب العودة إلى نقطة الصفر بعد عقود من التفاوض، ومن جهة أخرى، لا بد من أن نقدم جدولاً زمنياً للمفاوضات. وهذا يجب أن يكون دور مجلس الأمن، وهو ما نعمل عليه”. وأضاف: “لا يمكن أن يستمر الوضع القائم حالياً، ولا بد من التوصل إلى حل. فكلما مر الوقت كلما ازداد عدد المستوطنات، وأصبح من الصعب العمل على حل الدولتين. يجب أن تكون هناك مفاوضات، لكن التجربة دلت على أن المفاوضات الثنائية غير كافية، ويجب أن تترافق برعاية دولية. وهذا يكون عن طريق قرار من الأمم المتحدة أو مؤتمر دولي. هذا ما سنعمل عليه. أما قاعدة هذه المفاوضات الوثائقية فهي متوفرة: المقترحات الأوروبية، والمقترحات الأميركية ومبادرة السلام العربية لسنة 2002”.

وفي 1 ايار 2015 ، أعلن لوران فابيوس من جديد أن بلاده تعكف على بلورة مبادرة جديدة لاستصدار قرار أممي يرمي إلى دفع علمية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وقال في مقر الأمم المتحدة بنيويورك إن بلاده ستطلق خلال الأسابيع القادمة مبادرة تقوم على أساس التوجه إلى مجلس الأمن بطلب إصدار قرار من شأنه أن يحرك العملية السياسية ويدفع بعملية السلام قدماً. وقال نأمل أن “يخفف الشركاء الذين تحفظوا على مبادرتنا في كانون الأول الماضي من تحفظهم”.

وكان ممثل فرنسا في مجلس الأمن، قد أعلن قبل ذلك أن بلاده “ترى منذ الصيف الماضي أن حل الدولتين يتبدد؛ فتواصل الاستيطان غير الشرعي، ينسف قابلية الدولة الفلسطينية على الحياة، كما أن الفراغ السياسي يغذي خطر الانفجار. وفي إسرائيل وفلسطين تصبح مواقف الرأي العام أكثر راديكالية ويتناقص عدد مؤيدي حل الدولتين”، وأضاف: “إن من واجب مجلس الأمن أن يتبنى قراراً متفقاً عليه ومتوازناً، يحدد معايير الوضع النهائي ويضع جدولاً زمنياً للتفاوض”.

وبحسب بعض المراقبين، فإن فرنسا ستتقدم بهذه المبادرة في نهاية حزيران القادم بعد استقرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة ووضوح توجهاتها، وبعد انتهاء المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران حول الحل النهائي لبرنامجها النووي. ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الولايات المتحدة الأميركية تحبذ، هي وبعض الدول بما فيها بعض الدول العربية، تأخير تقديم هذه المبادرة إلى نهاية حزيران، لأنها لا تريد افتعال مشكلة جديدة الآن مع حكومة نتنياهو، تضاف إلى مشكلة المفاوضات مع إيران التي لا تحظى برضى هذه الحكومة. وهم يرون أن الإدارة الأميركية، التي أعلنت على لسان الناطق باسم البيت الأبيض، بعد إعادة انتخاب نتنياهو وحملته ضد الدولة الفلسطينية، أنها ستعيد تقويم مقاربتها للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، قد تسمح بتمرير هذه المبادرة الفرنسية.

ولكن ماذا ستتضمن هذه المبادرة، وهل يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون؟

للإجابة عن هذا السؤال، سأتوقف عند بعض المؤشرات:

أولاً: استناداً إلى ما كشف النقاب عنه حتى الآن، يمكن تحديد مضمون المبادرة الفرنسية على النحو التالي: مشروع قرار في مجلس الأمن يحدد الخطوط العريضة للحل، ثم مؤتمر دولي بمشاركة عربية واسعة يطلق المفاوضات التي يجب أن تنتهي ضمن سقف زمني محدد، تقوم في نهايتها دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من حزيران مع تبادل أراضٍ، وتكون القدس عاصمة لدولتين، واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل بصفتها دولة يهودية.

ثانياً: أشارت بعض المصادر الإسرائيلية إلى أن مشروع القرار الذي كانت فرنسا تنوي تقديمه إلى مجلس الأمن في نهاية العام الفائت، كان يتضمن دعوة الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى تقاسم القدس وجعلها عاصمة لدولتين، وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية مع تبادل متفق عليه للأراضي، واعتراف الفلسطينيين بوضع إسرائيل كدولة يهودية باعتباره وضعاً أقرته الأمم المتحدة من البداية [في إشارة ضمنية إلى قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947] وما زال صالحاً اليوم، ودعوتهم إلى احترام متطلبات إسرائيل الأمنية والتي تقتضي أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وأن يكون هناك تواجد عسكري إسرائيلي في غور الأردن. أما عودة اللاجئين على نطاق واسع فهو غير متصور عملياً.

palestine-flag

ثالثاً: بعد تصويت ممثل فرنسا في مجلس الأمن، فرانسوا دولاترا، لصالح مشروع القرار الفلسطيني الذي تقدم به الأردن في 30 كانون الأول 2014، قدم لأعضاء المجلس شرحاً مفصلاً لموقف حكومته جاء فيه :

“منذ توقف مفاوضات السلام في نيسان الماضي شهد الوضع تدهوراً ملموساً: فحل الدولتين الضروري يتحول إلى سراب مع استمرار الاستيطان غير الشرعي، وتعمق راديكالية مواقف الرأي العام في كلٍ من إسرائيل وفلسطين، وتعاقب دورات العنف في غزة والضفة الغربية والقدس. إن جوهر المسألة يكمن في غياب أفق سياسي يستجيب لتطلعات الطرفين: دولة فلسطينية مستقلة سيدة وضمان أمن دائم لإسرائيل”. وأضاف: “إن فشل المفاوضات المتكرر منذ عشرين عاماً يذكرنا بحقيقة أن عملية السلام كما اعتُمدت يجب أن يدخل عليها تطور. فالطرفان لا يستطيعان لأسباب داخلية أن يتخذا وحدهما قرارات صعبة يفرضها عبء البحث عن سلام صعب. وبعد نحو 25 عاماً من التفاوض، بات من اللازم أن يتشارك المجتمع الدولي في تحمل عبء هذه المفاوضات، وأن يتحمل جزءاً من المسؤولية السياسية والتاريخية. إن فرنسا مصممة على تشجيع طريقة تسمح بأن يرافق المفاوضات شركاء دوليون معنيون، بالتكامل مع الدور الرئيسي لواشنطن، يمثلون الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وهذا الجهد الجماعي يجب أن يستند إلى أساس لا يمكن لغير مجلس الأمن أن يوفره بما يمنح مصداقية للمفاوضات. وعلينا أن نقدم المعايير المعترف بها دولياً للحل وللمفاوضات التي تقود إلى تلبية المطالب المتنوعة.

وبهذا الأفق، دعونا مجلس الأمن إلى التحرك لتحديد قاعدة ذات مصداقية للسلام. وأرادت فرنسا –من خلال مشروع قرار أعدته– أن تقدم خياراً بديلاً لمشروع القرار الفلسطيني كي يكون مجلس الأمن فاعلاً إيجابياً في النزاع وليس مسرحاً للتعبير عن الاستياء وللإدلاء بتصريحات نظرية واللجوء إلى تصويتات متعاقبة.

إننا، ومن منطلق شعورنا بالحاجة إلى التحرك، وبالحاجة إلى تبني طريقة جديدة، صوتنا لصالح القرار الذي تقدم به الأردن. بيد أن هذا لا يعني أن النص المقدم مثالي، بل لدينا تحفظات على بعض صياغاته وعلى شكل تقديمه. وكنا نفضّل تحركاً متفقاً عليه من جميع الأطراف كي نجمع أعضاء مجلس الأمن حول رؤية واضحة لدولة فلسطينية مستقلة وسيدة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وتكون القدس عاصمة للدولتين.

وإذا كانت أطر الحل العادل للاجئين الفلسطينيين، أو تفاصيل ترتيبات الأمن، وبخاصة انسحاب القوات الإسرائيلية، تعود إلى الاتفاق الذي سيبرمه الطرفان، فنحن نستطيع أن نضع بصورة جماعية الخطوط العريضة لهذه المفاوضات، وأن نحدد جدولاً زمنياً واضحاً لانتهائها”.

وهكذا، يبدو واضحاً أن “المبادرة” الفرنسية الموعودة تنطوي على تناقضات، وستتضمن بنوداً سيكون من الصعب على الفلسطينيين قبولها، وذلك للاعتبارات التالية:

-فسيادة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضيها لا تستقيم، بل تتناقض مع مبدأ احترام المتطلبات الأمنية لإسرائيل التي تصر على أن يكون لها وجود عسكري دائم في بعض مناطق الضفة الغربية المحتلة وبخاصة في غور الأردن.

-أما مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة بذريعة أن قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 قد اقترح إقامة دولتين: دولة يهودية ودولة عربية، فهي مطالبة تتجاهل طبيعة ذلك القرار ولحظة صدوره، وتتغافل عن التطورات التي طرأت على أرض الواقع منذ ذلك الحين.

فعندما أقرت الأمم المتحدة، في سنة 1947، قيام دولة يهودية كانت تعني دولة لنحو 600 ألف يهودي أفضت عوامل عديدة، منها المذابح الجماعية التي ارتكبها النازيون بحق يهود أوروبا، إلى وجودهم فوق الأرض الفلسطينية، ولم تكن تعني دولة لكل أتباع الديانة اليهودية في العالم. ومن ناحية ثانية، لم يكن من المفترض أن تكون تلك الدولة يهودية خالصة، إذ كان سيقطنها نحو 400 ألف عربي فلسطيني سيجعلون منها دولة ثنائية القومية، وهذا ما شجع القادة الصهيونييين، وعلى رأسهم دافيد بن غوريون، على تسريع عمليات التطهير العرقي. وبعد قيام دولة إسرائيل في منتصف أيار 1948، بقي فوق الأرض الفلسطينية التي قامت عليها نحو 150 ألفاً من العرب الفلسطينيين، أي من سكان الأرض الأصليين، وباتت إسرائيل دولة تضم مواطنين يمثلون أقلية قومية عربية داخلها.

أما اليوم، فإن قادة إسرائيل الصهيونيين يريدون الاعتراف بيهودية إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي” في كافة أنحاء المعمورة، دولة تستند إلى “تراث تاريخي يعود إلى ثلاثة آلاف سنة”، كما يزعمون. أي أنهم يريدون، من جهة، إنكار حق المواطنين العرب الفلسطينيين، الذين بلغت نسبتهم اليوم نحو 20 بالمئة من سكان إسرائيل، بأرض وطنهم الأصلي، كما يريدون، من جهة ثانية، إنكار حق ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم الأصلي، وتثبيت الرواية الصهيونية التي تنكر مسؤولية إسرائيل عن مأساة تشريد هؤلاء اللاجئين.

وأود في هذا السياق أن أضيف الملاحظة التالية: في سنوات سيادة الوهم بالسلام القريب، ما بين عامَي 1993 و 2000، شهد المجتمع الإسرائيلي ظواهر انشقاقية عديدة، كظاهرة المؤرخين الجدد، وعلماء الاجتماع الانتقاديين، وتيار ما بعد الصهيونية. وبحسب أنصار هذا التيار الأخير، “ماتت” الصهيونية وأنهت “دورها” التاريخي، بعد قيام دولة إسرائيل وتكرسها كواقع، سياسي ومجتمعي، قائم في المنطقة، وتبلورت “قومية إسرائيلية” للمواطنين اليهود فيها، الذين لم يعد يربطهم سوى الرابط الديني بأتباع الديانة اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية، أو فرنسا، أو جنوب أفريقيا او الأرجنتين.

-ثم كيف تستقيم مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بصفة إسرائيل دولة يهودية، لأن هذه الصفة أشار إليها، كما يزعم، القرار الأممي 181 (وقد بيّنت خطل هذا الزعم)؛ كيف يستقيم هذا مع ترك قضية اللاجئين الفلسطينيين معلقة على إرادة إسرائيل، وذلك على الرغم من صدور القرار الأممي 194 في 11 كانون الأول 1948؟

إن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما أكدت عليه مبادرة السلام العربية كذلك، لا يمكن أن يكون سوى على قاعدة هذا القرار الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم عن الممتلكات التي سلبتها منهم المنظمات والهيئات الصهيونية، وبخاصة هيئة “أملاك الغائبين”، وتعويض من لا يرغب منهم بالعودة عن الممتلكات التي فقدها والأضرار التي لحقت به نتيجة تشريده بالقوة.

-وآتي أخيراً إلى مبدأ تبادل الأراضي… فمن المعروف أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان قد وافق على هذا المبدأ، شريطة أن يكون هناك تبادل محدود جداً ومتكافئ، وهي الموافقة التي تبناها كما بدا، خلال جولات التفاوض اللاحقة، الوفد الفلسطيني الذي شكله الرئيس محمود عباس. وسؤالي هنا هو الآتي: ألا يجب إعادة النظر في هذا المبدأ بعد بروز تيار داخل اليمين القومي الإسرائيلي، على رأسه أفيغدور ليبرمان، يفهم هذا التبادل بأنه يعني تبادُل الأراضي والسُّكَّان في وادي عارة والمثلّث، وتهجير سكانهما العرب الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم الأصلية، حتى يتحقق “الحلم” الصهيوني بأن تكون “أرض إسرائيل” يهودية خالصة؟

——————————

(*) تنشر بالتزامن مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية