تعطيل التشريع وعدم إنتخاب الرئيس يُهددان النظام البرلماني اللبناني

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

مع إنفضاض الجلسة 23 المُخصصة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية من دون اية نتيجة، يكون قد مضى سنة كاملة والبلاد بدون رئيس. والفراغ الرئاسي يُلقي بظلاله القاتمة على الحياة السياسية اللبنانية برُمتها، نظراً لما للرئاسة من دور ومهام، لا يمكن القفز فوقهما بسهولة، ولأن الرئاسة هي الناظم للحياة العامة في لبنان.

الصلاحيات الرئاسية التي أُنيطت بمجلس الوزراء مُجتمعاً، لا تُمارس بكاملها، ولا بالكيفية المُنتظمة التي يمارسها الرئيس شخصياً، ذلك أن التوافق يحكُم ممارسة هذه الصلاحية، وبالتالي يُفرض على مُعظم القرارات والمراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء الحصول على إجماع الوزراء لكي تُصبح صالحةً للتنفيذ، على إعتبار أن نشر المراسيم من صلاحية رئيس الجمهورية، على عكس صدورها الذي لا يحتاج إلآّ إلى النصف زائداً واحد من الوزراء، أو ثلثي أعضاء الحكومة، إذا كانت القرارات من النوع الهام، كموضوع تعيين موظفي الفئة الأولى في الدولة.

الإجماع سمة تعطيلية، يمكن أن تُطبق في النظام القبلي، أو الديكتاتوري العسكري، ولكنها لا يمكن أن تكون وسيلة حُكم في النظام الديمقراطي.

النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني مُهدد بالانهيار إذا ما بقيت الوتيرة الحالية قائمة على الساحة السياسية اللبنانية، فالخلل يتمدَد إلى كل الزوايا، برُغم وجود بعض عوامل القوة التي تحمُلُ شيء من التفاؤل، مُتأتية من إنجازات بعض الوزارات، ومن رصانة وحِكمة رئيس الحكومة تمام سلام.

مجلس النواب الذي مدد لنفسه دورة كاملة نظراً لتعذُّر إجراء الإنتخابات النيابية، لا يقوم بالحد الادنى من واجباته، فلا هو ينتخب رئيس للجمهورية، ولا يقوم بدور المراقبة للسلطة التنفيذية، ولا بالتشريع، خصوصاً تخلُفِهِ عن إقرار موازنة الدولة الغائبة منذ العام 2005، ولم تعُد القاعدة الاثني عشرية صالحة لتسيير شؤون المالية العامة، نظراً للتظخُّم الكبير الذي حصل خلال 10 سنوات، وتضاعفت بسببه أرقام الصرفيات والواردات على السواء.

يُعارض التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، عقد جلسات تشريعية لمجلس النواب، إلاَّ إذا وضع على جدول اعمال أول جلسة، إقتراح قانون للانتخابات النيابية، واقتراح قانون لإستعادة الجنسية اللبنانية من قبل المُغتربين من اصول لبنانية في الخارج. وهذان القانونان يستحيل إقرارهما في هذه الظروف المُعقدة التي تمرُّ بها البلاد، علماً أن إقتراح قانون استعادة الجنسية قد يأتي بنتائج عكسية تماماً لما يراه الطرفان الاساسيان على الساحة المسيحية، فإن أوساطا سياسية مُطّلعة على أرقام المغتربين، والفئات المُتحمِّسة منهم لإستعادة الجنسية، ترى أن القانون قد يُزيد من الاختلال الديمغرافي لمصلحة المُسلمين.

تعطيل جلسات مجلس النواب يؤدي إلى إحداث خسائر مالية كبيرة في الاقتصاد المُتهاوي، فالهِبات والقروض المُقدَّمة من البنك الدولي وغيره لإقامة مشاريع انمائية، تحتاج إلى موافقة مجلس النواب، ومنها مبلغ 600 مليون دولار سيُلغى بالكامل إذا لم يتم التصديق عليه خلال هذه الدورة التشريعية العادية التي تنتهي في 30 ايار/مايو الحالي، لتعذُّر فتح دورة استثنائية للمجلس، لأنها تحتاج لتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة. كما ان القوانين الأُخرى المُتَّقف عليها في اللجان ضرورية، ولازمة الإقرار، ومنها قانون سلامة الغذاء.

ربط التشريع بشروط تعجيزية، فيه شيءٌ من النهج التعطيلي، بصرف النظر عن أحقية مطالب القوى التي تفرض هذه الشروط. وجواب وزير المالية علي حسن خليل على طرح الدكتور سمير جعجع حول القاعدة القانونية التي تقول: “ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله” يُبيِّن أهمية معالجة الاستحقاقات الداهمة التي لا تحتمِل اي تأجيل. فتعطيل انتخاب الرئيس، وتوقيف كل أعمال التشريع، قد يُطيح بالنظام البرلماني الديمقراطي برُمتهِ، والبيئة الحاضنة لهذه الإطاحة متوافرة، تغذيها تصريحات نارية تأسيسية من هنا وهناك.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل