أميركا والمطالب الخليجية

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

بعد الهدنة الإنسانية الأولى، يبدو أن الحرب في اليمن دخلت مرحلة الجولات والهدنات. جولات من المعارك وعواصف «العزم» «والحزم» «والحسم»، والعنف والقتال. وبين كل جولة وأخرى هدنة! وانطلاقاً من أن «الحوثيين» وحلفاءهم في الداخل ورعاتهم في الخارج، يعتبرون أنهم لم يهزموا، ولن يسمحوا للسعودية بالانتصار مهما كلّف الأمر، فإن رهانهم الدائم على الوقت، ومحاولة النجاح في استدراج المملكة إلى مستنقع ودوامة ومتاهة الحرب وإغراقها وإنهاكها واستنزافها وإضعافها وتهديدها في الداخل، بعد أن كان البعض قد أفرط في الحديث عن استنزاف وابتزاز وإغراق إيران في اليمن، وهي الداعم الأول للحوثيين. نعم، ثمة محاولة جدية معلنة واضحة باستهداف المملك. وفي هذا السياق يمكن إدراج النبرة العالية بل المتعالية التي لا يزال يستخدمها المسؤولون الإيرانيون في خطابهم الواضح ضد المسؤولين السعوديين. ومنذ الحرب العراقية الإيرانية، ورغم الخلافات الخليجية الإيرانية عموماً، والسعودية الإيرانية خصوصاً، لم نسمع خطاباً إيرانياً كالذي نسمعه اليوم وفي ظل الحوار الأميركي – الإيراني، بل التعاون والحرص على الوصول إلى اتفاق يكرّس شراكة كاملة بين الطرفين في المنطقة. بمعنى، عندما كانت إيران ضد «الشيطان الأكبر» والخليج حليفاً له، لم تقل إيران كلاماً قاسياً بحق دول الخليج ومسؤوليه كما تفعل اليوم وهي تحاور الشيطان الأكبر وعلى وشك الاتفاق معه!

هذا الشيطان الذي بات مطلباً في العراق من كل مكوناته. الشيعي يريده إلى جانبه لحسم معاركه الداخلية، والسُني يطلب منه السلاح مباشرة وهو يعده بذلك، والكردي يعبّر عن ارتياحه الكبير للوعود التي قطعها له الأميركي ويحمل أكثر من بشرى لأهله، ويعتبر أن التسليح سيكون مباشراً وقوياً، وأن استفتاء سيجري حول استقلال كردستان.

والشيطان ذاته حاجة لضمان أمن المنطقة! ولكن هل سيفعل؟ في معزل عن النتائج النهائية والعملية للقاء أوباما بممثلي دول الخليج في قمة كامب ديفيد، فإن الواضح من كل التصريحات، هو القلق والريبة الخليجية من السياسة الأميركية، والمطالبة بالتزامات خطية، فالشفهية لم تعد كافية، وفي كل ذلك تشكيك واضح بصدقية الإدارة الأميركية التي دعا رئيسها أوباما خلال لقائه مع الأمير محمد بن نايف إلى «البناء على وقف إطلاق النار في اليمن لتحريك العملية التي تؤدي إلى تشكيل حكومة تتمتع بالصفة التمثيلية». ولم يشر إلى «الشرعية» التي استندت قرارات مجلس الأمن إليها، كما قرار إطلاق عاصفة الحزم! وجواب من «الشيطان» بالالتزام بالدفاع عن دول الخليج والاستعداد لبناء منظومة دفاعية لمواجهة أي استهداف. يعني إذا شنّت عليها حروب. وتأكيد على مواجهة الإرهاب! يعني مستعدون للوقوف إلى جانبكم إذا كنتم هدفاً لحرب من الخارج. أما أن نتورط في حروبكم أنتم في الخارج فهذا أمر لا يعنينا وعليكم تحمل تبعاته ومسؤولياته خصوصاً عندما تعلنون أنكم قررتم هذه الحروب من جانب واحد! وذلك رداً على إطلاق عاصفة الحزم دون موافقة أميركية كاملة ومضمونة! ولهذا السبب كان الموقف الأميركي متأرجحاً وغير حاسم. أما مسألة الإرهاب فهي مسؤولية عليكم جميعاً كما يقول الأميركيون «هذه معركتكم ونحن نساندكم وأنشأنا تحالفنا قبل تحالفكم. ولكن المعركة ليست عسكرية فقط، إنما سياسية تحتاج إلى تغييرات كثيرة في طبيعة الأنظمة وعملها وفي مجالات كثيرة، لأن ثمة أسباباً داخلية، وهي سخط الشعوب»، على حد قول أوباما!

طبعاً الدول الخليجية تصرّ على التزامات واضحة معلنة محددة وتستند إلى خطة عملية للتنفيذ من جانب الأميركي. الجانب الذي لن يرضخ لهذه المطالب، ولن يغير استراتيجيته ولكنه لا يستطيع تجاهلها. فالأولوية تبقى للاتفاق مع إيران التي صنّفها الرئيس الأميركي نفسه في حديثه الأخير إلى صحيفة الشرق الأوسط «دولة راعية الإرهاب». وانتقد تدخلها ورعايتها لمجموعات وأطراف في أكثر من مكان في المنطقة بما يؤدي إلى عدم الاستقرار، لكنه لم يقل ماذا سيفعل مع هذه الدولة التي يفاوضها ويرغب في الوصول إلى اتفاق معها، بل أكد أن «سنوات عدم الاستقرار التي تبعت الغزو الأميركي للعراق ساعدت في ظهور القاعدة هنالك والتي تحولت لاحقاً إلى داعش التي أسست لنفسها قاعدة في سوريا».

إذاً هو يؤكد مرة جديدة أن «الإرهاب» في المنطقة تسببت به سياسة الغزو وعدم تقدير العواقب، كما قال، وبالتالي هو راجع ويراجع هذه السياسة ويريد مواجهة هذا «الإرهاب»، ويؤكد على استخلاص الدروس والعبر.

السؤال الأول: هل يعتقد أن «الشريك المقبل» الإيراني فعل أو سيفعل ذلك؟ هل سيعيد النظر في سياساته أم سيستفيد من الغزو، ثم من التراجع، ثم من حرص وإصرار الشريك الأميركي على الاتفاق معه؟ والسؤال الثاني: ماذا سيفعل العرب، وكيف ستكون ردة فعل الدول الخليجية وعامل الوقت مهم؟

هذا بعض ما سمعنا. الباقي أعظم. آمل ألا يكون الآتي أعظم!