الملك سلمان: سيف الكرامة العربيّة

محمود الاحمدية

“الابطال الذين خَلقوا من الرّماد والحطام أمّةً,إنَّما خُلقوا من طينة البشر…ولكن كانت فيهم كرامة” (سبيروس ميلاس)

في أواخر الستّينات ومن خلال عملي كمهندس مبيعات، كنت في زيارة عمل إلى مدينة فاس في شمال المغرب، ولفت نظري بينما كنت أُعدّ المستندات لمشروع في مجال توريد السقالات والقوالب الحديديّة. وفجأة بدون مقدّمات كان صوت جمال عبد النّاصر يرتفع في حارات فاس القريبة من الفندق…وشعرت كأنّني ما زلت في القاهرة لأن مركز عملي الأساسي كانت القاهرة… وتركت غرفتي من باب الحشريّة إلى ردهة الفندق لأخذ فنجان قهوة ورؤية النّاس وردّة فعلها… تفاجأت بالسّاقي الذي قدّم لي القهوة وقبل أن يغادرني وبينما كان صوت عبد النّاصر يملأ المكان والزّمان، قال بعنفوان: je suis arabe أي أنا عربي!! ومعروف أنّهم في المغرب العربي وبكل أسف يستعملون الفرنسيّة في التّعبير والمحادثة… ولا أدري ما هو زخم المشاعر الذي اجتاحني قلباً وروحاً ووجداناً… وقفز فكري إلى المملكة العربيّة السعوديّة عندما قالها المرحوم الملك فيصل للأميركان والأوروبيين: مستعدون أن نتخلّى عن البترول ونعود إلى الخيم في الصّحراء ورأسنا مرفوع !وقبله قالها الزّعيم الخالد عبد النّاصر:ارفع رأسك يا أخي…

كل هذه الصور والواقع تزاحمت في مخيلتي وفكري وقفز فكري في بحر الزّمن إلى أول يوم قامت فيه: “عاصفة الحزم” عندما أمر الملك سلمان، وبحملة عربيّة شاملة وبدعم من اجتماع عربي في القاهرة، وكانت “عاصفة الحزم” وحوالي المايتي طائرة قادها طيّارون متمرّسون يملكون العلم والشّجاعة هي أجيال عربيّة بامتياز تقول لكل عربي في آخر بقعة عربيّة من الماء إلى الماء: ارفع رأسك يا أخي!! ولقد بلغ السيل الزبي عندما صعد البخار إلى رؤوس الإيرانيين وجالوا وماجوا واحتلوا وتنمردوا وإذا بهم وأمام العالم أجمع يقولون: أربعة عواصم عربيّة في قبضة يدنا وبغداد ستكون عاصمة الإمبراطوريّة الفارسيّة الجديدة… وشعر كل عربي بالمهانة واليأس وبكل تعاسة الدنيا,وعلى مدى ثورات الربيع العربيّة كانت أيدينا على قلوبنا… فبدل الأمل وربيع الزهور انفجرت الدماء في كل الشّوارع العربيّة وكانت لغة الرّصاص والمدافع والرّشاشات تجتاح البيوت والأبنية وكل شيء وتجتاح معها آمالنا ومشاعرنا وأحلامنا… حتى تونس تحاول الأصوليّة تفريغ ربيعها من محتواه.

أما الخريطة العربيّة فهي مصبوغة بالأحمر القاني والدّماء العربيّة تسفك في كل مكان من شوارع مدن ليبيا إلى شوارع بغداد إلى شوارع صنعاء وعدن إلى كل الشّوارع في سوريا إلى الصومال قديماً وحديثاً إلى سيناء مصر العروبة وجاءت “عاصفة الحزم” العربيّة وبأمر من الملك سلمان وبقي العرب والعالم شاخصين حتى يشاهدوا النّتيجة على الأرض بعد أن اجتاح الحوثيون كل شيء ودمّروا كل شيء ولم يبقوا على شيء وفي لحظات كنّا نشعر بأن اليمن السعيد أصبح أضحوكة في فم الأمم عندما ترى المسلّحين يحتّلون الشّوارع ويحاصرون رئيس الجمهوريّة ويسرقون الأخضر واليابس ويسطون على كل المحرّمات، ومع الأيّام وبطريقة ثقنيّة عالية لستطاعت “عاصفة الحزم” رفع معنويّات العرب من الماء إلى الماء وكان هذا القرار الصّارم القاطع بأَخذ المبادرة ونقولها وليس تسطيحاً للأمور: هذا القرار عربي بامتياز وعدّل الصّورة العربيّة يامتياز وعندما وصلت “عاصفة الحزم” إلى تحقيق الهدف كانت حملة”عودة الأمل” وما تزال…هو عصر التّوازن على صعيد المنطقة حيث ومنذ زمن بعيد أصبح للعرب وزن في المعادلة وأصبح من المستحيل القول أن العناصر الرئيسيّة في المعادلة: الأتراك والفرس واليهود وأصبح القفز فوق الجسر العربي الرّائع من رابع المستحيلات…

نقول وباسم كل الشّوارع العربيّة وباسم كل الأفئدة العربيّة التي تشمخ عزة وكرامة وفخراً واعتداداً: بوركت السّواعد العربيّة، بوركت “عاصفة الحزم” بورك خادم الحرمين الشّريفين صلاح الدين الجديد الملك سلمان.

قبل نصف قرن من الزّمن قالها كمال جنبلاط: “ألم يحن للعرب أن يدركوا قوّتهم الفعليّة النّامية الإقتصاديّة والماليّة والسّياسيّة المتطوّرة؟ ألم يحن للعرب أن يتحسّسوا أنّهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً قيلديّاً رئيسيّاً في قيادة وتوجيه العالم الثالث؟؟

علّ “عاصفة الحزم” تكون قد خدمت هذا التوجّه الذي طالب به كمال جنبلاط؟؟ الأيّام والشّهور القادمة ستتكلّم…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة