الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

احمد حسان

مرّ عيد العمال العالمي في لبنان هذه السنة ثقيلاً على أصحابه، فهؤلاء الذين يصحى الفجر على وقع أقدامهم وأصوات معاولهم وسكك محاريثهم، باتوا متروكين لأقدارهم في ظل قناعة راسخة بأن هناك إرادة حقيقية لدى من يتربعون في قصور السلطة، ليس على ضرب العمل النقابي والحركة النقابية فقط، بل على تعطيل المؤسسات الوطنية الدستورية التي تعنى بقضايا المواطنين ومطالب العمال والفلاحين والأجراء وحقوقهم المشروعة والقانونية.

لقد بلغ التعطيل مؤخراً المؤسسات الدستورية والهيئات القضائية والرقابية كافة، وتجرأ المسؤولون على ترك البلاد بلا رئيس للجمهورية، وبمجلس معطل للنواب، مدّد لنفسه بحجة الضرورة خلافاً للدستور والأنظمة والقوانين، وحكومة شبه مشلولة يقتصر عملها على القضايا الإجرائية لتصريف الأعمال، وهي مهدده بالدخول في سبات عميق نتيجة التجاذبات بين أطرافها.

لقد أمعنت السلطة السياسية تاريخياً في تعطيل وضرب المؤسسات في أبسط مهامها ووظائفها، لكن لم يبلغ الأمر سابقاً إلى هذا المستوى من اللامسؤولية الوطنية، فبقاء الدولة بلا رأس لسنة كاملة، قابلة للتمديد، كان آخر إسفين يدق في بنية النظام السياسي القائم. هذا النظام ذاته الذي يعمل على نقل الحوار مع مواطنيه وموظفيه ومستخدميه وعماله إلى الشارع، بدل حصره في حرم المؤسسات المعنية به.

ماذا يعني أن يصبح المجلس الدستوري عاجزاً عن ممارسة جوهر مهامه في الرقابة على دستورية القوانين؟ وماذا يعني تعطيل المجلس الإقتصادي والإجتماعي؟ وماذا يعني تعطيل المؤسسة العامة للإستخدام؟ وماذا يعني تعطيل المكتب الوطني للدواء؟ وماذا يعني تعطيل الهيئات الرقابية؟ وماذا يعني شل عمل المؤسسات العامة الخدماتية؟ وماذا يعني تعطيل لجنة مؤشر الغلاء (التي أنشأت بالمرسوم 4206/1981 بعد الغاء وزارة التصميم في العام 1981)؟ وماذا يعني غياب الإحصاءات والأرقام الحقيقية للدين العام وكلفته على المواطنين؟ وماذا يعني غياب خطط التنمية والنهوض الإقتصادي والإجتماعي؟ وماذا يعني تهميش العمل النقابي وضرب الحركة النقابية وإدارة الظهر لمطالب العمال؟ وماذا يعني أن تبقى البلاد بلا موازنة عامة لسنوات وسنوات…؟

إنه يعني أمراً واحداً وهو وجود إرادة مسبقة بتعطيل مفهوم الدولة الراعية والناظمة لشؤون البلاد، والحامية لمواطنيها وحدودها، وهذا ليس أكثر من تكريس لمفهوم إدارة الدولة بأسلوب وعقلية إدارة الشركة والمزرعة…

لم تخسر بلادنا معركتها مع الحداثة والتطور والديمقراطية إلا لأنها فشلت في أن تبني نظاماً ديمقراطياً يحكمه العقلاء والمفكرين وأصحاب الكفاءة والخبرة، لا أصحاب النفوذ المالي والسياسي والطائفي، الذين أصبحوا يتصرفون وكأنهم أكبر من وطنهم.

إن أبرز معالم الفشل هو في أن يحتفل العمال بعيدهم ببطون خاوية وبجراح مثخنة بخيبات الامل، وبحفلات إستقبال لا يجدون لهم فيها موطىء قدم، ولا تشبههم وتشبه تاريخهم النضالي الطويل الذي حقق إنجازات غالية يُعمل على مصادرتها بمشاريع مشبوهة، ظاهرها براق وجميل وباطنها يقوم على الإستغلال وهضم الحقوق وتكديس الثروات على حساب عرق العمال وجهدهم.

———————————–                                                   

(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة