أي مصلحة للبنان في التورط بـ “حرب القلمون” وغيرها من الحروب الخارجية؟

مستمرة سياسة التورط بالحروب الخارجية لبعض القوى الحزبية اللبنانية التي لا تجلب لتلك القوى وللبنان على حد سواء، سوى المزيد من التورط بأزمات وأوضاع لا قدرة لوطن الأرز وشعبه على تحمل وزر مأساتها وخسائرها و أعبائها  الفادحة و الكارثية على الأوضاع المحلية اللبنانية التي باتت بفعل هذه التدخلات الخارجية لبعض القوى المحلية في الأزمة السورية وغيرها من أزمات المنطقة  على فوهة حمم البراكين الملتهبة التي تعرض أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي لأشد المخاطر الجسيمة.

فمن سوريا إلى اليمن هناك مسار واحد لتورط مشبوه في حروب تتعارض مع المصلحة الوطنية والعربية للبنان السيد الحر والمستقل الذي لم يعد يحتمل استخفاف البعض بما يجري في المنطقة من أحداث وتطورات، خصوصا أن هذا التورط غير المبرر بأي حجة سياسية أو أخلاقية أو انسانية  بدأ يجر ورائه تداعيات سلبية ليس فقط على اللبنانيين المقيمن في لبنان بل أيضا على اللبنانيين العاملين في دول الخليج العربي التي تتعرض من قبل حزب سياسي لهجوم موتور أقل ما يقال فيه بأنه غير مقبول كونه  لا يخدم سوى أجندات خارجية استعمارية باتت مكشوفة أطماعها التوسعية والسلطوية في المنطقة العربية.

وبحسب أوساط متابعة لم يعد خافيا على أحد استنادا إلى المواقف الدولية التي تؤكد وتجمع في العلن كما في الكواليس بأنه لا مستقبل لبشار الأسد في مستقبل سوريا ، واستنادا أيضا إلى  تطورات الإنتصارات الميدانية للمعارضة السورية النوعية والإستراتيجية الأخيرة فأن مسألة سقوط النظام في سوريا باتت مسألة وقت لا أكثر، وهذه المعطيات وغيرها، يؤكد بأن ما قدمه حلفاء النظام السوري خلال الأربع سنوات الماضية  من مال وسلاح ودماء من أجل حماية بشار الأسد لم يعد باستطاعتهم أن يقدموه  خلال المعارك القادمة…ما يعني بأن زج حزب الله لبندقية المقاومة وشبابها المجاهد في حرب القلمون و مع ما يمكن أن تجر ورائها هذه الحرب العبثية  من خسائر بشرية فادحة في صفوف الحزب وبيئته الحاضنة ليس سوى مغامرة محفوفة بالمخاطر الكبيرة التي لا مصلحة فيها لا للبنان بهويته الوطنية ولا بانتمائه العربي  ولا  بارتباطه التاريخي والجغرافي والسياسي والإقتصادي والإجتماعي الواحد والمشترك مع الشعب السوري، كما لا مصلحة فيها  للمقاومة التي وجدت في الأساس لمواجهة العدو الصهيوني وليس لمحاربة الشعب السوري والدفاع عن طاغية مجرم وسفاح.

وتضيف الأوساط عينها التسويق والترويج لحرب القلمون بتبريراتها الأخلاقية وانتصاراتها الموعودة ليس سوى هروب إلى الأمام وفشلا ذريعا في قراءة المرحلة الماضية في سوريا لاستقاء الدروس والعبر منها من أجل انقاذ المقاومة من المستنقع السوري التي تغرق به والتي ستغرق أكثر بعواقبه الوخيمة في حرب القلمون الذي يخطأ كثيرا في حساباته الغيبية والسياسية من يظن بأنه قادر في هذه المعركة  أو أي معركة أخرى أن ينتصر في سوريا على الشعب السوري الذي سيكون له الكلمة الفصل النهائية في حربه وثورته ضد الطاغية الذي سيزول وسيكون ورائه انتصار كبير مدوي لسوريا بأرضها وشعبها، وكل ما يروج اليوم من ما يسمى بأبواق إعلام محور المقاومة والممانعة ليس سوى بروبغندا فاشلة على الطريقة الديكتاتورية الفاشية والنازية البائدة التي لم تقدم لمن كان جزء من جرائمها وفظاعاتها سوى الهزيمة الساحقة التي تضعه في مزبلة تاريخ مجرمي حرب الإبادة وضد الإنسانية.

وفي هذا الإطار وقبل أن تنطلق معركة القلمون التي روج إعلام المقاومة والممانعة إلى ضخامة استعدادات حزب الله وحليفه النظام السوري لها عسكريا في العدة والعتاد والعديد، وفيما كانت أصوات القصف المدفعي التي لا تزال تتردد اصداؤها بوضوح في قرى البقاع الشمالي منذ صباح  الأمس من الجرود الشرقية جراء المعارك والقصف على الزبداني والتي اعقبتها هجوما شنه حزب الله جيش النظام السوري وشبيحته  على بلدة الحصينة المحاذية لبلدة الطفيل في الداخل السوري والواقعة شرق جرود عرسال، الا ان ساعة الصفر بحسب المعلومات الواردة من مصادر حزب الله في  البقاع لانطلاق المعركة الموعودة لم تحدد بعد، في حين اعلنت جبهة “النصرة”اكتمال تاسيس جيش “فتح القلمون” متحدثة عن بشرى قريبة “لأهلنا السنة في بلاد الشام عامة والقلمون بخاصة.

 و قبل انطلاق المعركة الموعودة أفادت المصادر الميدانية من القلمون عن مقتل قياديين ميدانيين اثنين في حزب الله باشتباكات مع مسلحين من جبهة النصرة بمنطقة القلمون داخل الأراضي السورية, وقالت المصادر إن القياديين هما علي عليان وتوفيق النجار. وقد سبق لـ “حزب الله”  أن  أعلن الاثنين أيضا عن مقتل أحد عناصره ويدعى “حمزة حسين زعيتر” من البقاع خلال الهجوم الذي شنه الحزب على مواقع لجبهة النصرة ليل الأحد، في منطقة عسال الورد داخل الأراضي السورية.

وفي السياق عينه، أعلنت اتحاد تنسيقيات الثورة السورية عن تحرير بلدة ميدعا بالكامل من قبل الجيش الحر وقتل عشرات العناصر من قوات النظام ، كما أفادت الأنباء الميدانيه الواردة من القلمون السورية تشير إلى اشتباكات عنيفة جدا تدور بين قوات حزب الله وفصائل المعارضة السورية ولاسيما في محيط عسال الورد.وتشهد ساحة المعركة كر وفر بين الفريقين.ومن الواضح حسب ضراوة المعركة ان هناك تصميم من الطرفين على كسب المعركة .واللحاق الهزيمة بالطرف الاخر .والقتلى باعداد كبيرة من الطرفين .

إلى ذلك أفادت المعلومات أن “حزب الله” قد عمد إلى تسريح غالبية العناصر التي حشدها في منطقة البقاع والمواقع المطلة على الداخل السوري في جرود رأس بعلبك وبريتال، بعد أن سبق وأعلن الاستنفار العام في صفوف مقاتليه تحضيرا لإطلاق عملية عسكرية في منطقة القلمون باسم “معركة الحسم”. ما يعني، بحسب ما أشارت إليه هذه المعلومات، أن الحزب قرر التخلي عن استراتيجية الهجوم الواسع، إما خوفا من حجم الخسائر التي قد تقع في صفوف عناصره، أو بسبب انكشاف خططته للهجوم، خاصة بعد انتشار أخبار العملية العسكرية بين مناصريه وأهالي المقاتلين، والتي أحدثت حالة استياء وخوف من سقوط أبنائهم قتلى في هذه المعركة.وفي حديث مع أحد العسكريين المتابعين لاستعدادات حزب الله العسكرية لمعركة القلمون، قال إن “الاحتمالات العسكرية تذهب الى إمكانية أن يكون الحزب قد استبدل قرار الهجوم الواسع لصالح عمليات عسكرية هدفها “تقطيع” المنطقة إلى مناطق معزولة لا تسمح للمجموعات المسلحة بفرض سيطرتها على كل منطقة القلمون، أو كما يصطلح عليه عسكريا إنشاء “مسامير” أمنية وعسكرية داخل منطقة سيطرة المسلحين خاصة في المرتفعات المشرفة والاستراتيجية”.

وأضاف الخبير العسكري أن تغيير الخطة العسكرية لحزب الله في هذه المرحلة، وتأجيل “الهجوم الواسع” قد يكون مرده لما يدور من حديث عن بعض التسويات بين الحزب وجبهة النصرة وتنظيم داعش يسمح، لمن يريد من هذه الجماعات، بالانسحاب من منطقة القلمون باتجاه شمال وشرق سوريا بعد توفير “معبر آمن” لهم.

ورأت أوساط إعلامية متابعة أن تأجيل حزب الله للعملية العسكرية يعود إلى أزمة العسكريين المخطوفين لدى جبهة النصرة وتنظيم داعش، ومحاولة إعطاء المفاوضات الجارية لإطلاق سراحهم فرصة للنجاح، خاصة بعد أن عمدت جبهة النصرة إلى استخدام العسكريين في قبضتها لتهديد الحزب من خلال “الشريط المصور” الذي بثته قبل يومين، وتحدث فيه العسكريون الأسرى عن الثمن الذي قد يدفعونه في حال قام الحزب بأي هجوم على القلمون.

ولعل ابرز تداعيات التصعيد والمواجهة الاعلامية تتجلى بوضوح في قضية العسكريين المخطوفين، حيث نشر حساب “مراسل القلمون” التابع لجبهة “النصرة” على تويتر ، فيديو لعدد من العسكريين المخطوفين، تحت عنوان “رسالة من الأسرى الشيعة إلى بني قومهم”، دعوهم فيه الى الوقوف في وجه “حزب الله”، محذرين من أنّهم سيدفعون ثمن معركة القلمون إذا انجرّ الجيش و”حزب الله” اليها… وعلى الاثر، تجمّع أهالي العسكريين في ساحة رياض الصلح، معلنين ان اولادهم لا علاقة لهم بالاحزاب ولا ذنب لهم في سياساتها، داعين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وجميع المعنيين كالوزيرين أشرف ريفي ووائل ابو فاعور والنائب وليد جنبلاط الى عدم التخلي عن الملف والذهاب فيه الى النهاية و”الا فأنتم مسؤولون عن قتل أبنائنا، فكونوا أهلا للقضية”. ولفتوا الى انهم قد يقابلون رئيس الحكومة اليوم “لكن ان لم نحصل منه على تطمينات جدية، فاننا سننفذ تصعيدا موجعا للدولة، يستهدف اي مرفأ تستفيد منه، وسيكون مفاجئا فلن نعلن عن مكانه وزمانه”. من جهتها، أشارت شقيقة احد المخطوفين الشيعة الى “أننا براء مما يفعله “حزب الله” في سوريا واليمن”.
اما في المواقف السياسية فان بيان الرئيس الحريري الذي اعقب جولة الحوار الحادية عشرة بين تيار المستقبل وحزب الله وتمحورت بمعظمها حول معركة القلمون وتداعياتها على الداخل، جاء ليستكمل ما لم يقل في الحوار، اذ اعتبر ان حزب الله” يحشد السلاح والمسلحين لبدء المعركة ويستخدم الحدود اللبنانية دون حسيب او رقيب في جولة جديدة من التورط في الحرب السورية التي لا وظيفة لها سوى حماية الظهير الغربي لبشار الاسد في ظل الانهيارات العسكرية لجيش النظام في غير منطقة من سوريا. وهو كما العادة لن يسمع نصيحة الشركاء في الوطن وسيضرب بعرض الحائط مرّة اخرى التحذيرات اللبنانية من استدعاء الحرائق السورية الى الداخل اللبناني”. وسأل محذّراً المهللين لحرب القلمون والمشاركين بتغطيتها “هل ان المعركة الجاري الحديث عنها ستجري داخل الاراضي السورية ام فوق الاراضي اللبنانية؟ وإذا كانت داخل الاراضي السورية فما الداعي للإمعان في تورط جهات لبنانية فيها؟ اما اذا كانت ستجري في اراضٍ لبنانية فهل هناك قرار لبناني بتسليم امر الحدود للجهات المسلحة غير الشرعية”؟ و”اي جهة يمكن ان تضمن سلامة العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى “النصرة” و”داعش” في حال مشاركة جهة لبنانية في المعركة؟

_________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى