جنبلاط أمام المحكمة.. مسمار «أكيد» في نعش النظام

صلاح تقي الدين ( المستقبل)

للرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إطلالات مميزة تسهم في تحريك المشهد السياسي العام بتسجيل موقف من تطوّر إقليمي أو حدث داخلي عبر تصريح صحافي أو تعليق أسبوعي في جريدة «الأنباء» الناطقة باسم الحزب «التقدمي الاشتراكي»، أو عبر ممارسة هوايته المفضّلة والمستجدّة باللجوء إلى موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي وإطلاق تغريدة تفعل فعلها الموازي أهمية لتصريحاته.

لكن مثوله أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليدلي بدلوه في ما يتعلق بالمناخ الذي كان سائداً قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتأكيد على مضمون الإفادة التي سجّلها أمام لجنة التحقيق الدولية في تلك المرحلة، سيشكّل من دون أدنى شك الحدث الأبرز سياسياً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية عموماً والسورية خصوصاً.

فبعد أربع سنوات على انطلاق الثورة المحقة للشعب السوري ضد النظام الكيماوي القاتل، وتقدّم عمل المحكمة الدولية على صعيد الشهادات السياسية التي استمعت إليها، بدا واضحاً أن دائرة الخناق بدأت تضيق فعلياً حول رقبة النظام وتوّرطه في اغتيال الرئيس الشهيد، كما أن عمليات «الاستنحار والتصفية» التي تعرّض لها رموزه أثناء حقبة الوصاية على لبنان، تشي بأن النظام «بدأ يأكل صغاره» والتخلّص من كل من يمّت بصلة أو علاقة باغتيال رفيق الحريري، وآخرهم كان «أبو عبدو» رستم غزالي الذي مات بعدما «أكل قتلة من تحت الدست«.

في العام 2005، وجه وليد جنبلاط أصابع الاتهام إلى النظام الأمني اللبناني السوري المشترك باغتيال «رفيقه»، وفي العام التالي قال «بيروت بدها الثار من لحود وبشار»، وكذلك في العام 2007، غير أنه في العام 2008 بدأ مرحلة التخفيف من انتقاد النظام انطلاقاً من رغبة عربية وداخلية بالتهدئة، عقب الأحداث الدامية التي شهدتها بيروت ومناطق الجبل وكادت أن تعيد لبنان إلى أتون الحرب الأهلية، خصوصاً وأن بشار كان قد توعّد الرئيس الشهيد بذلك وبدا أنه على وشك تنفيذ وعيده.

غير أن ما يسجّل لجنبلاط أنه لم يتراجع يوماً عن قناعته بأن هذا النظام اغتال والده المعلم الشهيد كمال جنبلاط، واغتال رئيس الطائف الرئيس الشهيد رينيه معوّض، وهو بكل تأكيد اغتال الرئيس الشهيد الحريري وكوكبة الشهداء الذين سقطوا معه ومن بعده، وما زال على قناعته بذلك ويجاهر بها أنىّ تسنح له الظروف.

كما أنه منذ العام 2011، لم يخفِ تأييده لثورة الشعب السوري ضد النظام، وهو لم يبخل يوماً في الإعلان والتصريح عن دعم الثورة ونصح أبناء «جبل العرب» بعدم الوقوع في فخ النظام والانجرار إلى حفلة «مذهبة» الصراع، وضرورة تدخل المجتمع الدولي لـ«فرض» الحل السياسي الذي يقي السوريين المزيد من الدماء والدمار الذي يلحق بهم على يد «حاكم دمشق«، كما طالب ويطالب دائماً بضرورة وقف «تدخّل» اللبنانيين في هذه الحرب، وانسحاب المتوّرطين فيها وعودتهم إلى لبنان.

انتظر جنبلاط 38 عاماً قبل أن يبوح بمكنونات صدره وإزاحة الثقل الكبير الذي حمله على كتفيه منذ 16 آذار 1977، وهو بعد اغتيال رفيق الحريري، قرّر «الانتظار على حافة النهر مرور جثة عدوه» لأن «راداراته» التقطت إشارات «التواطؤ» العالمي على بقاء هذا العدو على كرسيه، لكن «الإشارات» بدأت تتبدّل اليوم.

لقد مثل العديد من الشهود الذين يُركن إلى إفاداتهم أمام المحكمة منذ بدأ وكيل الادعاء العام غرايم كاميرون التركيز على الإفادات السياسية التي تصف مرحلة الضغوط والمضايقات التي مورست على الحريري والمقربين منه، فراحوا يستفيضون في شرح هذا المناخ وممارسات سلطة الوصاية من خلال النظام الأمني ورستم غزالي على الرئيس الشهيد وجنبلاط، والقاسم المشترك في شهاداتهم كان التهديد «الفجّ والوقح» الذي بادر فيه بشار الحريري «سأكسر البلد على رأسك ورأس جنبلاط«.

تبدو الفرصة سانحة لنشر المزيد من فضائح بشار وأدواته، وتورّطه في جرائم القتل اللبنانية من خلال ما سيدلي به جنبلاط أمام المحكمة الدولية من معلومات، أو من خلال تزويد مدعي العام المحكمة غرايم كاميرون بما يتطلّع إليه من أدلّة وبيّنات تسهّل له عمله في كشف حقيقة من «أمر، ومن خطّط، ومن نفّذ جريمة العصر«.

لا شك في أن شهادة زعيم المختارة ستكون الحدث السياسي الأهم الذي سيحظى باهتمام ومتابعة داخلية وإقليمية حثيثة وأنها ستأتي بمثابة مسمار «أكيد» في نعش النظام السوري، فهل سيدق جنبلاط آخر مسمار في نعش هذا النظام من خلال شهادته أمام المحكمة؟ الإجابة عن هذا السؤال رهن الأيام القليلة المقبلة.