لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث تعيش البلاد منذ ما يُقارب السنة الكاملة من دون رئيس للجمهورية. وللمرة الأولى منذ أكثر من ستين عاماً، تُقفل نهائياً الحدود البرية التي تربط الأسواق اللبنانية مع الأسواق الخارجية، ولا سيما العربية منها. هذه وتلك تُشيران إلى حالة من الاختناق السياسي والاقتصادي التي تواجه بلاد الأرز، مُضافان إلى صعوبات من النوع الثقيل تُكبِّل الدولة، وتُرهِق أجهزتها، ويعيش المواطنون تحت وطأتها.

في الجانب السياسي من الاختناق مفارقة غريبة، معظمها تفرضه على الواقع اللبناني قوىً سياسية، يُفترض أن تكون الاحرص على إنتظام عمل المؤسسات، لكونها معنية في الدفاع عن الكيان، ذلك أنها أول مَن سيدفع الثمن من حالة الفوضى، أو الاهتراء التي تُصيب البلاد.

يبدو أن هذه القوى التي تُعطل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إتخذت قراراً واضحاً، لا رجعة عنه: إما أن تحصل على النتيجة التي تطلبها من عملية الانتخاب، أو لن تسمح بإتمام العملية الديمقراطية، وهي تقول أن الوعود التي تلقتها في العام 2008 ، ذهبت سداً. وفي ذلك العام كان العماد ميشال عون يُعِدُّ نفسه لتولي الرئاسة، ولكن الظروف عاكست، وقد تلقى وعداً بأن يكون الرئيس المُقبل بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وهو ينتظر تحقيق هذا الوعد، ولن يسمح بتضييع الفرصة مرة ثانية، والقوى التي تدعمه، يناسبها هذا الاصرار، لأنها بطبيعة الحال لن تأخذ قراراً بالافراج عن ملف الرئاسة حالياً، بإنتظار جلاء الأوضاع في سوريا.

وعلى هامش الخلل السياسي الناتج عن الفراغ الرئاسي، تترنح البلاد وسط ملفات مُعقدة، وعجلات الدولة لا تسيرُ وفقاً للأصول، لا في التعيينات، ولا في التشريع، ولا في إطلاق سراح الموازنة التي تخضع للتوقيف القسري امام قاعات مجلس الوزراء، وخلف أعتاب مجلس النواب منذ عشر سنوات على التوالي، وأرقام الصرفيات – وحتى العائدات – تضاعفت 100% منذ ذلك التاريخ.

أمَّا في جانب الاختناق الإقتصادي، فبالاضافة إلى خطورة عدم إقرار الموازنة، يأتي الارتباك الذي أصاب الطبقة السياسية من جرّاء الافتقار إلى الجرأة في التعامل مع سلسلة الرتب والرواتب، حيث تترواح المواقف منها بين المرواغة، والشعبوية.

هذه الشعبوية يمكن أن تُصيب الدولة في المقتل إذا ما تعاملت القوى السياسية والمنظمات النقابية وفق منطوقها الاستقطابي، وإبتعدت عن التعامل بواقعية مع مُعطيات الأرقام المالية المُخيفة.

وما يزيد من حالة الاختناق الاقتصادي إقفال الحدود البرية بين لبنان وسوريا، في وقت كانت مئات الشاحنات اللبنانية خارج لبنان، وتمَّ إحتجازها بين الأردن وسوريا، ومنها ما زال عالقاً على الأراضي السعودية، وهذا الأمر جعل لبنان يُشبه الجزيرة المعزولة.

والنقل البري للمنتجات اللبنانية إلى الخارج، وتحديداً إلى دول الخليج العربية والعراق، يُعتبر من أهم ركائز صمود القطاع الصناعي والزراعي في لبنان، لأن المواصلات البحرية أكثر كلفة، وتأخذ وقتاً أكثر. والنقل الجوي غالٍ، وإعتماده يضرب التنافسية في الأسعار.

وفي الوقت الذي ينكبُّ وزير الزراعة أكرم شهيب، وبتكليف من مجلس الوزراء، بإيجاد بدائل لنقل المنتجات اللبنانية إلى دول الخليج، مع بداية الموسم الزراعي الواعد، إنصدمت الأوساط الإقتصادية بالمواقف العالية النبرة التي صدرت عن بعض القيادات اللبنانية ضد عاصفة الحزم التي إستهدفت إعادة الشرعية والنظام إلى اليمن.

هذه المواقف كادت أن توتر العلاقات اللبنانية مع الدول العربية الشقيقة، لولا تسارع الردود عليها من أغلبية القيادات اللبنانية. وقد ساهم في تهدئة الإنفلات، وقفة التضامن من الهيئات الإقتصادية مع المملكة العربية السعودية.

ليس في أُفق الاجواء ما يوحي بإنقشاع قريب للإختناق السياسي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان، ولكن قرار عدم التفريط بالاستقرار، يبدو أنه ثابت حتى الآن.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي