ابتزاز.. وتدوير زوايا

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

لم يتصرّف «الحوثيون» ومن معهم في اليمن ومَن وراءهم خارجه على أساس أن المملكة العربية السعودية فتحت باباً للنقاش، أو للحل، عندما أعلنت وقف «عاصفة الحزم» وإطلاق عملية «إعادة الأمل». لم يبادروا إلى تلقفّ القرار، بل لم يتصرفوا على أساس أن القرار السعودي هو «بداية هزيمة العدوان» كما فهموه. يتصرفون حتى اللحظة وكأنهم انتصروا! وهم بذلك يؤكدون الخيار والقرار الإيرانيين.

ليس من باب الصدفة أو الانفعال أن يطلق مسؤولون إيرانيون مثل هذه المواقف. ولا يمكن تجاوزها أو عدم اعتبارها أساس الموقف الإيراني، حتى لو سمعنا كلاماً من دبلوماسيين يقولون إنهم يريدون الوصول إلى «حل سياسي»، وأن حكومتهم على تشاور مع عواصم كثيرة ومؤثرة في العالم وفي المنطقة! فالذين قالوا الكلام العالي قالوا أيضاً إن مسؤوليهم أو بعض حكومتهم، يريدون تغطية الأمور أو التعامل معها بطريقة لا تتناسب مع حجم الأحداث. هم يعبّرون عن رأي وموقف قيادتهم المباشرة أي المرشد خامنئي الذي يوزّع الأدوار. المفاوضون هذا هو دورهم لاسيما وهم يدخلون إلى المفاوضات مع الأميركيين. ويرغبون في الوصول إلى حل حول مشروعهم النووي ويتحدثون عن مرحلة صياغة القرار النهائي ويعلمون بأن الأميركيين يريدون في الوقت عينه الوصول إلى تفاهم معهم والرغبة المشتركة في الوصول إلى تفاهمات حول كثير من الأمور قائمة فيبقى الخطر على السعودية قائماً.

إدارة أوباما تفاهمت مع الكونجرس على صيغة يعرض على أساسها أي اتفاق مع إيران. وفي طهران أعلن عن تقديم مشرع قانون في البرلمان الإيراني يلزم بنيل موافقته على اتفاق نووي. الطرفان يستخدمان عناصر اللعبة ذاتها. ويتخاطبان بالطريقة ذاتها وهما حريصان على الوصول إلى اتفاق. والإشارة إلى هذه النقطة مهمة لها ارتباط مباشر بالمواقف الإيرانية التصعيدية وما يجري في اليمن والموقف من المملكة العربية السعودية. فالأميركيون أكدوا بلسان وزير خارجيتهم «جون كيري» أن «الحل في اليمن يقرّره اليمنيون وليس القوى الخارجية». يعني لا إيران ولا السعودية، ولم تكن كلمة عن الدور الإيراني في دعم «الحوثيين» الذين رفضوا قرار مجلس الأمن رقم 2216 سوى التمني عليهم بدفعهم إلى طاولة المفاوضات. وحتى مجلس الأمن عندما اجتمع أشار إلى المأساة الإنسانية في اليمن! مع أهمية هذا الموضوع بطبيعة الحال لكن المأساة هي في عجز أو تواطؤ ما يسمى المجتمع الدولي الذي لا يحترم قراراته عندما يتخذ قرارات! كذلك فإن الأميركيين، أكدوا أن استمرارها وما يجري في اليمن أفاد منه تنظيم «القاعدة »! والأولوية هي لمواجهة الإرهاب وفي هذه النقطة تلاق واضح مع إيران، مع الاستمرار في لعبة الابتزاز المتبادلة! أميركا تبتز إيران ودول الخليج في هذا العنوان من العراق إلى اليمن ودول أخرى وصولاً إلى سوريا، وإيران تبتز دول الخليج وتتهمها بدعم الإرهاب وتبتز أميركا!

وهذا الابتزاز المتبادل يؤدي إلى اهتزاز في الدول العربية ودمار وخراب. النتيجة أن الدول العربية تدمّر الواحدة تلو الأخرى، وإسرائيل تحتفل بذكرى تأسيسها، وأميركا وإيران في طريقهما إلى الاتفاق! وبطريقة أو بأخرى ثمة قرار بإغراق المنطقة في اليمن، وبإدخال اليمن في حرب أهلية حتى لو دمّر فيها كل شيء. وهذا مؤشر على أن الحرب ستشتعل أكثر في اليمن. ولن يكون هناك اتفاق قريب، ولن تغيّر أميركا أولوياتها في هذه المرحلة، وهي مواجهة «الإرهاب» الموجود في «البيت السني» الذي لا تأتيه كل التهديدات من إيران، بل «ثمة سخط شعوب في داخله»! كما قال أوباما نفسه.

في ظل هذا الوضع حصلت تطورات ميدانية مهمة في سوريا خسر بنتيجتها النظام مواقع عسكرية استراتيجية وتكرّس تقدّم واضح لقوات المعارضة. وإذا استمرت الأمور على هذا النحو يمكن تحقيق نوع من التوازن على الأرض والذهاب إلى تفاوض على الطاولة على قاعدة هذه المعادلة. لأنه في النهاية لابدّ من حوار سعودي – إيراني في توقيت ما، وفي مكان ما، وبطريقة ما للوصول إلى تفاهمات في المنطقة، ولكل من الطرفين جدول أولوياته، لكن المملكة لا تستطيع التراجع أمام العناد والهجوم الإيرانيين، ولذلك فالحزم السياسي والدبلوماسي في التعاطي مع الجميع وعلى رأسهم أميركا أمر ضروري وبالتوازن مع مرونة ضرورية أيضاً في التعامل مع دول كبيرة وإقليمية لها دورها وتأثيرها في مجرى كل الأحداث في المنطقة. ثمة من يبني حساباته على أساس إبعاد أو تحييد مصر عن السعودية ودول الخليج في هذه المرحلة. المصريون يعرفون ذلك وكذلك السعوديون. والأمر نفسه، ولو من زاوية مختلفة يحصل مع تركيا. لذلك تدوير الزوايا مهم وينبغي تثبيته بعناية!