عيد العمال العالمي وذكرى تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي.. ماذا بعد 66 عاماً؟

هو الأول من آيار الذي يحل معه عيد العمال العالمي وذكرى تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي في لحظة دولية – اقليمية تتصارع فيها الأفكار والإيديولوجيات والنظريات التي يتولد عنها الحروب والأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تزيد اوضاع العمال والفلاحين والكادحين ظلما و بؤسا و معاناة، وكأن الثورة الكبيرة في عالم الإنسان التي أطلقها المعلم كمال جنبلاط هو ورفاقه الأوائل في 1 آيار من العام 1949 حين أعلنوا عن تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي،  كانوا يدركون بأن التسوية البحثية الفكرية و الإنسانية الخاصة التي ابتكرها كمال جنبلاط في لحظة تاريخية كانت تشهد صراع كبيرا بين مفاهيم السوق الرأسمالية المتوحشة و بين ارهاصات الإستقطاب الثوري الحاد، هي تسوية جديدة متجددة تصلح لإنقاذ العالم في كل زمان وفي أي عصر لأنها تسوية تأخذ أولا وأخيرا بالقيم والمعايير السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تخدم الإنسان على أساس أنه هو الغاية والهدف من كل تطور أو تقدم أو فكر أو حضارة.

وبالتالي فان ما نشهده في عصرنا الحالي من قمع ووحشية وقتل وتصفية واحتقار لقيمة الإنسان خصوصا في محيطنا وجوارنا العربي، يؤكد مجددا بأنه لا خلاص لهذا العالم العربي وكل العالم، إلا بالعودة إلى الفكر الإنساني والتسوية الإنسانية التي يجسدها الحزب التقدمي الإشتراكي بميثاقه ومبادئه وقيمه المتسلحة بالمعرفة وحرية الفكر والبحث والإستقصاء والجرأة الحاضرة دائما وأبدا لتقديم البدائل والخروج بالخلاصات التي تخدم مسارات الإصلاح والتطور والتقدم من أجل حياة انسانية أفضل تليق بإنسانية الإنسان وكينونته وحريته وحقوقه وكرامته.

و لم يكن اختيار الاول من أيار لتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي عبثياً، اذ اراد مؤسّس الحزب الشهيد كمال جنبلاط عبر ذكرى مجزرة شيكاغو (في العام 1886)، والتي ذهب ضحيتها عشرات العمال، تأكيد التزامه قضاياهم واحتضان مطالبهم… لذلك في الأول من آيار 2015  وفي خضم المتغيرات والمتحولات على الساحة العربية والاقليمية والدولية هناك عودة مع ذكرى تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي إلى مشهدية المعول والقلم الذان يشكلان رمزان لا ينفصلان في عملية التطور المنشود الذي نريده لهذا الوطن  العربي الذي لا بد أن يستعيد من خلال نضال الأحرار والتقديمين العرب دوره وحضوره الحضاري والإنساني في العالم. واستناداً إلى فكر المعلم الذي أبدع في قراءة الواقع واستشراف المستقبل نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى  إلى مشروع عربي كبير مشترك يسهم في تعميق الوحدة والتعاون والتضامن بين كافة الشعوب والدول العربية من أجل تطوير وتنمية كافة المجالات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية والثقافية كمرتكز لا بد منه لقيام قوة عربية تقدمية نخبوية قادرة من خلال الفكر والعقل والعلم على محاربة كل أشكال  الجهل والأمية والتخلف و على مواجهة  كافة الأطماع  والمؤامرات ومشاريع التقسيم التفتيت التي تسعى إلى تحقيقها الدوائر الصهيونية المتحالفة مع بعض ما يسمى بالمجتمع الدولي  كي تتمكن من فرض تسلطها وهيمنتها على خيرات وموارد هذه المنطقة التي تريدها ضعيفة ممزقة  غارقة في  غياهب  الفتن والصراعات الحروب الأهلية التي تغذيها مجاهل العصبيات المذهبية والطائفية والعرقية والإثنية.

وفي هذا الإطار، وضمن سياق مقاربة القضايا اللبنانية والعربية بخلفية الموقف الوطني العروبي والإنساني الثابت الذي لا يضيع البوصلة، جدد الحزب التقدمي الإشتراكي بذكرى تأسيسه وعيد العمال، الحزب إلتزامه المبادىء والقيم التي أرساها المعلم الشهيد كمال جنبلاط وأكد تمسكه بالثوابت السياسية التي ناضل في سبيلها على مدى العقود الماضية منذ إنطلاقه سنة 1949.حيث أعلن الحزب ببيان صدر عن مفوضية الإعلام عن  مواقفه السياسية التالية:

1- يرى الحزب أن الثورة السورية هي تعبير صادق عن الطموحات المشروعة للشعب السوري بالحرية والكرامة، ويُحمّل النظام مسؤولية تدمير سوريا وإجهاض كل محاولات التغيير بقوة الحديد والنار التي أدت إلى تحول النزاع إلى حرب أهلية تغذيها جهات إقليمية ودولية مستفيدة من إطالة أمد الصراع. ويؤكد الحزب أن النظام السوري زائل لا محالة ويدعو إلى تغليب الحل السياسي  لوضع حدٍ لمأساة الشعب السوري مذكراً بالمبادرة العربية الأولى التي دعت فيما دعت لتشكيل حكومة إنتقالية كاملة الصلاحيات بعد الإطاحة برأس النظام، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وسحب الجيش من المدن ومحاكمة المتورطين في الجرائم المرتكبة والكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين والمخطوفين.

وكما يرى الحزب أن المجتمع الدولي مدعو لتحمل مسؤولياته في إنتاج هذا الحل وفي رفع مستويات الدعم للشعب السوري لرفع المعاناة الإنسانية عنه.

2- يُعبر الحزب عن قلقه إزاء التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة العربية والتي تفجرت بمعظمها نتيجة تدخلات إقليمية عكست رغبة بالسيطرة وبسط النفوذ. ويرى لذلك أن الحاجة ملحة لإعادة توحيد الرؤيا العربية إزاء التحديات المطروحة ويعتبر أن أقصر الطرق لتحقيق ذلك تتمثل في إعادة تفعيل العمل العربي المشترك وتعزيز إمكانياته لمواجهة المخاطر المتصاعدة.

3- يرى الحزب أن ثمة مسؤولية على المرجعيات الدينية من مختلف الطوائف والمذاهب في العالم العربي لتغليب لغة الاعتدال والتأكيد على روح الأخوة والمصالحة بما ينفّس الاحتقان المذهبي المتنامي الذي وصل إلى حد الاقتتال في أكثر من ساحة وموقع، ويرى أن تدارك هذا الأمر ممكن من خلال تنفيذ هذه التوجيهات المعتدلة على مختلف المستويات.

4- على المستوى المحلي، يأسف الحزب التقدمي الاشتراكي للإفشال المتعمد لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد مرور أشهر طويلة على الشغور في سدة الرئاسة، ويؤكد وجهة نظره المرتكزة إلى ضرورة تكريس التسوية الرئاسية للخروج من المأزق الراهن بهدف إعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية والخروج من الحالة الشاذة الراهنة. ويجدد الحزب، في هذا  الإطار، تمسكه بترشيح عضو اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو للرئاسة.

5- يؤكد الحزب موقفه الثابت لضرورة فصل التجاذبات السياسية عن الملفات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية ويرى أن معالجة تلك الملفات من المفترض أن تتم وفق عناصر تكوينها التقنية وليس وفق الخلفيات أو المصالح السياسية. كما يؤكد الحزب إستمراره في إعتماد النهج الإصلاحي في الوزارات التي يتولاها لا سيما في وزارتي الصحة العامة والزراعة، ويرى أنه بالإمكان تحقيق الكثير من المنجزات عند توفر الإرادة السياسية الحاسمة في هذا المجال. ويعتبر أن الخطوات التي إعتمدت في الوزارتين أكدتا على الموقف التاريخي للحزب بالوقوف إلى جانب المواطن والانحياز إلى قضاياه المحقة.

ويعتبر الحزب أن المشاريع والنقاط الإصلاحية المتتالية التي طرحها رئيس الحزب وليد جنبلاط تصلح لأن تشكل منطلقاً مهماً لتغيير الواقع القائم لا سيما في الإدارة العامة التي تتطلبُ إصلاحاً جذرياً لتحريرها من النفوذ السياسي والطائفي والمذهبي ولقد سبق لرئيس الحزب أن إلتزم بهذا التوجه عملياً أقله في تجربتي تعيين العمداء في الجامعة اللبنانية والمنطقة الإقتصادية في طرابلس.

6- كما يتوجه الحزب التقدمي الإشتراكي بالتهنئة إلى العمال في عيدهم ويجدد وقوفه الثابت إلى جانب حقوقهم، كما كان دوره تاريخياً على هذا الصعيد، ويرى أن الإستقرار الإجتماعي يوازي بأهميته الإستقرار السياسي والأمني، وهو لذلك طالب ويطالب بمقاربة الملفات المتعلقة بالعمال، والموظفين والأساتذة والمعلمين والمتقاعدين والمتعاقدين وكل الفئات والشرائح الإجتماعية بطريقة عقلانية ومسؤولة بعيداً عن الديماغوجية بما يحقق مصالحه الفعلية بعيداً عن الشعارات والعناوين البراقة. ويرى الحزب أن تحقيق الإصلاح الشامل هو مدخل ضروري لتحقيق المطالب المحقة بعيداً عن الإعتبارات المصلحية من هنا وهناك.

7- ختاماً، يتوجه الحزب إلى الشباب الذين يمثلون المستقبل ويؤكد على أهمية إشتراكهم بفاعلية في الحياة السياسية والحزبية لما لهذه المشاركة من دور في إعادة الإنتظام للشأن العام ويجدد دعوة رئيسه لضرورة إبتعادهم عن العنف والتعصب وإنفتاحهم على العلم والمعرفة والتطور.

_______________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى